أبي جعفر الطبري حسبوا لأبي جعفر منذ بلغ الحلم، إلى أن مات، ثم قسموا على تلك المدة أوراق مصنفاته، فصار لكل يوم أربع عشرة ورقة.
وقال الشيخ أبو حامد الإسفراييني شيخ الشافعية: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً.
وقال حسينك بن علي النيسابوري: أول ما سألني ابن خزيمة قال: كتبت عن محمد بن جرير؟ قلت: لا. قال: ولم؟ قلت: لأنه كان لا يظهر. وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه. فقال: بئس ما فعلت، ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم، وسمعت منه.
وقال أبو بكر بن بالويه: سمعت إمام الأئمة ابن خزيمة يقول: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير. ولقد ظلمته الحنابلة.
وقال أبو محمد الفرغاني: كان محمد بن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد. فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه وزهده في الدنيا ورفضه لها، وقناعته بما كان يرد عليه من حصة خلفها له أبوه بطبرستان يسيرة.
وذكر عبيد الله بن أحمد السمسار وغيره أن أبا جعفر بن جرير قال لأصحابه: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة. قالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه. فقال: إنا لله، ماتت الهمم. فأملاه في نحو ثلاثة الآف ورقة.
ولما أراد أن يملي التفسير قال لهم كذلك، ثم أملاه بنحو من التاريخ.
قال الفرغاني: وحدثني هارون بن عبد العزيز قال: قال لي أبو جعفر الطبري: أظهرت مذهب الشافعي واقتديت به ببغداد عشر سنين، وتلقاه مني ابن بشار الأحول شيخ ابن سريج.
قال الفرغاني: فلما اتسع علمه أداه بحثه واجتهاده إلى ما اختاره في كتبه. وكتب إلي المراغي أن الخاقاني لما تقلد الوزارة وجه إلى الطبري بمال كثير، فأبى أن يقبله، فعرض عليه القضاء فامتنع، فعاتبه أصحابه وقالوا: لك في هذا ثواب، وتحيي سنة قد درست. وطمعوا في أن يقبل ولاية المظالم، فانتهرهم وقال: قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه.