أنبأنا ابن البُزُوري في الذيل قال: وقدِم الحاجّ بغداد، وأخبروا أنّ سيف الإسلام طُغتِكين أخا صلاح الدّين خرج عن الطاعة، وترك مراضي الديوان وأتباعه، واستولى على مكّة وأهلها، وخطب لأخيه، وأخبروا أنّ قِفل الكعبة عَسُر عليهم فتحُه، وازدحم الناس، فمات منهم أربعةٌ وثلاثون نفسًا.
قال: وفي هذه السنة كان المنجّمون يزعمون أنّ في تاسع جُمادى الآخرة تجتمع الكواكب الخمسة في برج الميزان، وهو القِران الخامس، ويدلّ ذلك على رياحٍ شديدة، وهلاك مدنٍ كثيرة، فلم يُرَ إلاّ الخير. وأُخبرتُ أنّ الهواء توقَّف في الشهر المذكور على أهل السواد، فلم يكن لهم ما يذرّون به الغلَّة.
قال ابن البزوري: وكان الخليفة أمر بأخذ خطوط المنجمّين بذلك، فكتبوا سوى قيماز، وكان حاذقًا بالنّجوم، فإنّه كتب: لا يتم من ذلك شيء. وخرج. فقال له منجّم: ما هذا؟ قال: إن كان كما تزعمون من هلاك العالم مَن يوافقني؟ وإن كان ما قلته حظيت عندهم.
وفيها عقد أمير المؤمنين الناصر على الجهة سلجوق خاتون بنت قَلِج أرسلان بن مسعود صاحب بلاد الروم بوكالةٍ من أخيها كيخسْرُو، وسار لإحضارها الحافظ يوسف بن أحمد شيخ الرّباط الأرجواني.
وفيها جَرت فتنة عظيمة بين الرافضة والسُّنة قُتل فيها خلقٌ كثير، وغلبوا أهل الكرخ.
وفيها وردت الأخبار بالفتن بأصبهان، والقتال والنهب، وإحراق المساجد والمدارس، وقتل الأطفال، فقُتِل أربعة آلاف نفس. وسببه اختلاف المذاهب بعد وفاة زعيم أصبهان البهلوان. ثم ملك بعده أخوه فهذَّب البلاد.
وأمير الركب العراقي في هذه الأعوام طاشتكين المستنجديّ.
وفي هذه الأيام كَثُر الخُلْف بديار بكر والجزيرة بين الأكراد والتركمان، وبين الفرنج والروم والأرمن، وبين الإسماعيلية والنبوية. وقتلت الإسماعيلية ابن نيسان والد الذي أخذ منه صلاح الدّين آمِد.
ووقع بين الكراكيّ واللقالق والإوزّ، وصارت تصطدم بالجو وتتساقط جرحى وكَسْرَى، وامْتار الناس منها بأرض حرّان؛ قاله عبد اللطيف.