وكان إذا قال له أحد: أريد أن أتوب على يدك. يقول: أيش تعمل بيدي، تب إلى الله.
وكان شجاعًا. وهو الذي جرّأ المسلمين على محاصرة الرّها في سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، واشتهر بين الناس أنهم يوم وقعت الثلمة بالرها التي دخل منها المسلمون رأوا رجلًا قد صعد فيها، فهزم من كان بها من الفرنج، وصعد الناس بعده، فحكي لي عن بعض الناس أنه الشيخ أبو بكر رضي الله عنه.
وبلغني أن ناسًا اختلفوا فيه، فحلف بعضهم أنه الشيخ عدي بن صخر، فاختلفوا إليه في ذلك، فقال: ذاك الحرّاني. سمعته يقول: كان أبي قد أسره الفرنج إلى الرها، فقادوه، وأخذوني وأخي رهينةً، يعني وهما صغيران؛ فكان صاحب البلد يأخذني ويجيء بي عند الصليب، ويجعل يحني رأسي نحوه، فأمتنع عليه مع هيبته، ويقع في نفسي أني إن فعلت صرت نصرانيًا، وكان يأخذ أخي فيجيء به إلى الصليب، ليسجد له، فأتعلق به وأمنعه. ثم إنه خلّص من أيدي الفرنج، فسمعته يقول: كنت أمر إلى الرها في الليل فأصعد إلى السور، وأنزل إلى البلد، فإذا عرفوا بي صعدت إلى السور، فإذا صرت على السور ومعي سيفي وترسي لا أبالي بأحد. وصعدت مرةً إلى السور، فلقيت اثنين، قتلت الواحد ودخل الآخر إلى البرج، فدخلت خلفه فقتلته.
سمعته غير مرة يقول: رأيت قائلًا يقول لي: كن تبعًا إلا في ثلاثة: في الزهد، والورع، والجهاد.
وحج نحوًا من ثلاثين حجة ماشيًا. وبلغني عنه أنه حج في بعضها، ولم ينم في تلك المدّة حتى خرج من الحج. ثم إنه ترك الحج، وسكن مشهدًا قريبًا من حرّان، واشتغل بعمارة رحى هناك. ورتّب الضيافة لكل وارد خبزًا ولحمًا وشهوات، وكان سبب ذلك كما حكى لي، قال: كنت أنا وآخر في الشام، فجعنا جوعًا شديدًا، ثم جئنا إلى قرية، فصنع لنا إنسان طعامًا وقدّمه إلينا، فجعلنا نأكله وهو حار، فلما رأى شرهنا في الأكل مع حرارته قال: