اقتنوا الأملاك، واستطالوا على الناس، خصوصًا أسد الدين شيركوه، ولم يقدر القاضي على الانتصاف من شيركوه، فأمر نور الدين ببناء دار العدل، فقال شيركوه: إن نور الدين ما بنى هذه الدار إلا بسببي، وإلا فمن يمتنع على كمال الدين؟. وقال لديوانه: والله لئن أحضرت إلى دار العدل بسبب واحد منكم لأصلبنه، فإن كان بينكم وبين أحد منازعة فأرضوه بمهما أمكن، ولو أتى على جميع مالي.
وكان نور الدين يقعد في دار العدل في الأسبوع أربع مرات، ويحضر عنده الفقهاء والعلماء، ويأمر بإزالة الحاجب والبوابين.
قال: وكان إذا حضرت الحرب حمل قوسين وتركشين، وكان لا يتكل الجند على الأمراء، بل يتولاهم بنفسه، ويباشر خيولهم وسلاحهم.
قال: وأنفق على عمارة جامع الموصل ستين ألف دينار، وفوض عمارته إلى الشيخ عمر الملا الزاهد. قال: ويقال: أنفق عليه ثلاثمائة ألف دينار، فتم في ثلاث سنين. وبنى جامع حماة على العاصي.
قال: ووقع في أسره ملك إفرنجي، فأشار الأمراء ببقائه في أسره خوفًا من شره، وبذل هو في نفسه مالًا. فبعث إليه نور الدين سرًا يقول: أحضر المال، فأحضر ثلاثمائة ألف دينار، فأطلقه، فعند وصوله إلى مأمنه مات، فطلب الأمراء سهمهم من المال، فقال: ما تستحقون منه شيئًا؛ لأنكم نهيتم عن الفداء، وقد جمع الله لي الحسنيين: الفداء، وموت اللعين، وخلاص المسلمين منه. فبنى بذلك المال المارستان، والمدرسة بدمشق، ودار الحديث.
قال: وما كان أحد من الأمراء يتجاسر أن يجلس عنده من هيبته، فإذا دخل عليه فقير أو عالم أو رب خرقة قام ومشى إليه وأجلسه إلى جانبه، ويعطيهم الأموال، فإذا قيل له في ذلك يقول: هؤلاء لهم حق في بيت المال، فإذا قنعوا منا ببعضه فلهم المنة علينا.
وقال العماد الكاتب في البرق الشامي: أكثر نور الدين في السنة التي توفي فيها من الصدقات، والأوقاف، وعمارة المساجد، وأسقط كل ما فيه حرام، فما أبقى سوى الجزية والخراج، وما يحصل من قسمة الغلات على قويم المنهاج، وأمرني بكتابة مناشير لجميع أهل البلاد، فكتبت أكثر من ألف