ابنه الكبير علاء الدين تكش غائبا نائبا لأبيه على الجند، فاستنجد بالخطا وأقبل بهم، فاستعان أخوه محمود بصاحب نيسابور المؤيد، وعملوا المصاف، فأسر المؤيد وذبح صبرا، وهرب محمود وأسرت أمه فيما بعد، وقتلت، وثبت قدم تكش في الملك، فجاءته رسل صاحب الخطا بأمور مشقة واقتراحات صعبة، فقتل كل من عنده من الخطا، ونبذ إلى ملك الخطا، فسار محمود إلى ملك الخطا فجهز معه جيشا، فنازل خوارزم وحصرها، فأمر تكش بإجراء ماء جيحون فكادوا يغرقون، فرحلوا وندموا، فسار محمود بهم فأخذ مرو، فعادت الخطا إلى بلادها؛ وجعل محمود الغز من دأبه، وحاربهم وأوطأهم ذلا، ثم افتتح مدينة سرخس سنة ست وسبعين، ثم أخذ طوس.
وأما نيسابور ومملكتها فتولاها طغان شاه بعد والده المؤيد، وكان لعابا مسرفا على نفسه، ملك أربع عشرة سنة ومات.
وفيها - في جمادى الأولى - هزم مليح بن لاون الأرمني النصراني صاحب بلاد الدروب وسيس عسكر الروم، لعنهم الله معا، وذلك أن نور الدين - رحمه الله - كان قد استخدم صاحب سيس هذا وأقطعه واستماله، وظهر له منه نصحه، وكان ملازما لخدمة نور الدين، معينا له على الفرنج، ولما قيل لنور الدين في معنى استخدامه وإعطائه بلاد سيس قال: أستعين به على قتال أهل ملته وأريح طائفة من عسكري، وأجعله سدا بيننا وبين صاحب القسطنطينية. فجهز إليه صاحب الروم جيشا كثيفا، فالتقاهم، ومعه طائفة من عسكر المسلمين، فهزمهم، وكثر القتل والأسر في الروم، وقويت شوكة مليح.
وفيها سار نور الدين إلى بلاد الشرق، فصلى في جامع الموصل الذي بناه، وتصدق بمال عظيم، ثم رد وقطع الفرات، وقصد ناحية الروم فافتتح بهسنا ومرعش، ورد إلى الشام ومعه ابن الدانشمند ووعده بخلاص بلاده، فبعث قلج أرسلان إلى نور الدين يخضع له، وأن يرد إلى ابن الدانشمند قلاعه، فشرط عليه نور الدين تجديد إسلامه، لأن قلج أرسلان اتهم بالزندقة،