وفي صفر غلب مؤنس على الموصل فتسلل إليه الجند والفرسان من بغداد، وأقام بالموصل أشهراً. ثم تهيأ المقتدر وأخرج المخيم إلى الشماسية، وجعل يزكاً على سامراء ألف فارس مع أبي العلاء سعيد بن حمدان. وأقبل مؤنس في جمع كثير، فلما قارب عكبرا اجتهد المقتدر بهارون بن غريب أن يحارب مؤنساً، فامتنع واحتج بأن أصحابه مع مؤنس في الباطن ولا يثق بهم.
وقيل: إنه عسكر هارون وابن ياقوت وابنا رائق وصافي الحرمي ومفلح بباب الشماسية، وانضموا إلى المقتدر، فقالوا له: إن الرجال لا يقاتلون إلا بالمال، وإن أخرجت الأموال أسرع إليك رجال مؤنس وتركوه.
وسألوه مائتي ألف دينار، فأمر بجمع الطيارات لينحدر بأولاده وحرمه وأمه وخاصته إلى واسط، ويستنجد منها ومن البصرة والأهواز على مؤنس.
فقال له محمد بن ياقوت: اتق الله في المسلمين، ولا تسلم بغداد بلا حرب، وإنك إذا وقفت في المصاف أحجم رجال مؤنس عن قتالك. فقال: أنت رسول إبليس!
فلما أصبحوا ركب في الأمراء والخاصة وعليه البردة وبيده القضيب، والقراء حوله، والمصاحف منشورة، وخلفه الوزير الفضل بن جعفر، فشق بغداد إلى الشماسية، والخلق يدعون له. وأقبل مؤنس في جيشه ووقع القتال. فوقف المقتدر على تل، ثم جاء إليه ابن ياقوت وأبو العلاء فقالا: تقدم، فإذا رآك أصحاب مؤنس استأمنوا. فلم يبرح، فألح عليه القواد بالتقدم، فتقدم وهم يستدرجونه حتى أوقعوه في وسط الحرب في طائفة يسيرة، وقد قدم الجمهور بين يديه يقاتلون.
فانكشف أصحابه وأسر منهم جماعة، وأبلى محمد بن ياقوت وهارون بلاءً حسناً. وكان معظم جند مؤنس البربر، فبينا المقتدر واقف قد انكشف أصحابه رآه علي بن بليق فعرفه، فترجل وقال: يا مولاي أمير المؤمنين! وقبل الأرض، فوافى جماعة من البربر إلى المقتدر فضربه رجل منهم من خلفه ضربةً سقط إلى الأرض، فقال له: ويلك أنا الخليفة! فقال: أنت المطلوب.
وذبحه بالسيف، وشيل رأسه على رمح، ثم سلب ما عليه، وبقي مكشوف العورة