للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو مروان بن حيان: وممن قتل يوم فتح قرطبة الفقيه الأديب الفصيح ابن الفرضي، ووري متغيرا من غير غسل ولا كفن ولا صلاة، ولم ير مثله بقرطبة في سعة الرواية، وحفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والافتنان في العلوم والأدب البارع. وولد سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وحج سنة اثنتين وثمانين. وجمع من الكتب أكثر ما جمعه أحد من علماء البلد. وتقلد قراءة الكتب بعهد العامرية. واستقضاه محمد المهدي ببلنسية. وكان حسن البلاغة والخط.

وقال الحميدي (١): حدثنا علي بن أحمد الحافظ قال: أخبرني أبو الوليد ابن الفرضي قال: تعلقت بأستار الكعبة وسألت الله الشهادة، ثم انحرفت وفكرت في هول القتل، فندمت وهممت أن أرجع، فأستقيل الله ذلك، فاستحييت. قال الحافظ ابن حزم: فأخبرني من رآه بين القتلى ودنا منه فسمعه يقول بصوت ضعيف: " لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك " كأنه يعيد على نفسه الحديث الوارد في ذلك (٢). قال: ثم قضى على أثر ذلك .

وأنشد له ابن حزم:

إن الذي أصبحت طوع يمينه … إن لم يكن قمرا فليس بدونه

ذلي له في الحب من سلطانه … وسقام جسمي من سقام جفونه (٣).

١١٠ - عبد الرحمن بن عثمان بن سعيد بن دُنين (٤) بن عاصم، أبو


(١) جذوة المقتبس (٥٣٧).
(٢) وهو الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ٤/ ٢٢، ومسلم ٦/ ٣٤، وغيرهما من حديث الأعرج عن أبي هريرة.
(٣) نقله من صلة ابن بشكوال (٥٧١).
(٤) هكذا جوده المؤلف بخطه وشدد ياءه. وفي المطبوع من صلة ابنِ بشكوال (٦٨٣): "ذنين" بالذال المعجمة، مصحف لا ريب. وفي كتب المشتبه "دُنَيْن" مصغر وإن لم ينصوا عليه (انظر مثلًا مشتبه الذهبي: ٢٨٣، والقاموس للفيروزآبادي في دنن، وتبصير ابن حجر: ٢/ ٥٥٨) وذكر مثله ابن حجر في ٢/ ٦٤٥ فقال في حرف الزاي: زُنَيْن مصغر، واضح. وبالدال: أبو محمد بن دُنَيْن، ذكره ابن بشكوال. فهذا غيره، ولم نجد من شدد هذا الاسم.