فقدم بغداد في آخر السنة، ولم يأت إلى المقتدر، فبعث إليه ولده والوزير ابن مقلة، فوصفا شوق المقتدر إليه، فاعتل بعلة. وظهرت الوحشة بينه وبين المقتدر، فأقام هارون منابذاً لمؤنس، وجعلت الرسل تتردد بين المقتدر ومؤنس.
ولم يحج أحد في هذه السنة خوفاً من القرامطة.
وأما الروم فإن الدمستق لعنه الله سار في ثلاثمائة ألف على ما قرأت في تاريخ عتيق، فقصد ناحية خلاط وبدليس فقتل وسبى، ثم صالحه أهل خلاط على قطيعة، وهي عشرة آلاف دينار، وأخرج المنبر من جامعها وجعل مكانه الصليب. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
[سنة سبع عشرة وثلاثمائة]
قال ثابت بن سنان: في ثامن المحرم خرج مؤنس إلى باب الشماسية ومعه سائر الجيش، وركب نازوك الوالي في جيشه من داره، وخرج أبو الهيجاء بن حمدان أيضاً إلى مؤنس، فشحن المقتدر داره ومعه هارون بن غريب، وأحمد بن كيغلغ، والحاشية.
فلما كان آخر النهار انفض أكثر من في دار الخلافة من الرجالة إلى مؤنس. وراسل مؤنس المقتدر بأن الجيش عاتب منكر لما يصرف من الذهب إلى الحرم والخدم، وأنهم يطلبون إخراج الحرم والخدم من دار الخلافة وإبعادهم. فكتب إليه رقعة بخطه: أمتعني الله بك، ولا أخلاني منك، ولا أراني فيك سوءاً. إني تأملت الحال فوجدت الأولياء الذين خرجوا لم يريدوا إلا صيانة نفسي وإعزاز أمري، فبارك الله عليهم. فأما أنت يا أبا الحسن المظفر، لا خلوت منك، فشيخي وكبيري.
وذكر فصلاً طويلاً في الخضوع له، إلى أن قال: وقبل هذا وبعده فلي في أعناقكم بيعة مؤكدة، ومن بايعني فإنما بايع الله، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، وعهد الله نكث. ولي عليكم نعم وصنائع، وآمل أن تعترفوا بها لا تكفروها.
فلما وقفوا على الورقة عدلوا إلى مطالبته بإخراج هارون عن بغداد، فأجابهم إلى ذلك وقلده الثغور،