بالطعام. فأحضر طبق خلاف وعليه رغف من الخبز النقي، وفيه آنية فيها ملح وخل وزيت. فدعاني إلى الأكل، فابتدأت آكل ظانًا أنه سيؤتى بطعام. فنظر إلي وقال: ألم تك صائماً؟ قلت: بلى. قال: أفلست عازمًا على الصوم؟ قلت: بلى، كيف لا وهو رمضان. قال: فكل واستوف، فليس هاهنا من الطعام غير ما ترى.
فعجبت ثم قلت: ولم يا أمير المؤمنين؟ قد أسبغ الله نعمته عليك. فقال: إن الأمر لعلى ما وصفت، ولكني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز، وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك، فغرت على بني هاشم، فأخذت نفسي بما رأيت.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو النضر المروزي: قال: قال لي جعفر بن عبد الواحد: ذاكرت المهتدي بشيء، فقلت له: كان أحمد بن حنبل يقول به، ولكنه كان يخالف. كأني أشرت إلى من مضى من آبائه. فقال: رحم الله أحمد بن حنبل، والله لو جاز لي أن أتبرأ من أبي لتبرأت منه. ثم قال لي: تكلم بالحق وقل به، فإن الرجل ليتكلم بالحق فينبل في عيني.
وقال ابن عرفة النحوي: حدثني بعض الهاشميين أنه وجد للمهتدي سفط فيه جبة صوف وكساء كان يلبسه بالليل ويصلي فيه. وكان قد اطرح الملاهي، وحرم الغناء. وحسم أصحاب السلطان عن الظلم. وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين يجلس بنفسه، ويجلس الكتاب بين يديه فيعملون الحساب. وكان لا يخل بالجلوس الخميس والاثنين. وقد ضرب جماعة من الرؤساء. ونفى جعفر بن محمود إلى بغداد، وكره مكانه لأنه نسب عنده إلى الرفض.
وأقبل موسى بن بغا من الري يريد سامراء، فكره المهتدي مكانه، وبعث إليه بعبد الصمد بن موسى الهاشمي يأمره بالرجوع، فلم يفعل.
وحبس المهتدي الحسن بن محمد بن أبي الشوارب، وولى عبد الرحمن بن نائل البصري قضاء القضاة، وانتهب منزل الكرخي.
وحج بالناس في خلافته علي بن الحسين بن إسماعيل الهاشمي.
قلت: ذكرنا في الحوادث خروج الأتراك على المهتدي بالله، وكيف حاربهم بنفسه وجرح. ثم أسروه وخلعوه، ثم قتلوه إلى رحمة الله في رجب