للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستفحل أمره، وأظهر الدّعوة فيما بين أصحابه لصاحب مصر المستنصر.

وكان يخاف من نجاح صاحب تهامة، ويلاطفه، ويعمل عليه، فلم يزل به حتّى سقاه سمّاً مع جاريةٍ مليحة أهداها له في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. وكتب إلى المستنصر يستأذنه في إظهار الدّولة، فأذن له. فطوى البلاد طيّاً، وطوى الحصون والتّهائم. ولم تخرج سنة خمسٍ وخمسين حتّى ملك اليمن كلَّه، حتّى أنه قال يوماً وهو يخطب في جامع الجند: في مثل هذا اليوم نخطب على منبر عدن. ولم يكن أخذها بعد. فقال بعض من حضر: سبُّوح قدُّوس يستهزئ به. فأمر بالحوطة عليه، وخطب يومئذٍ على منبر عدن كما قال: واتّخذ صنعاء كرسيَّ مملكته، وأخذ معه ملوك اليمن الّذين أزال ملكهم، وأسكنهم معه، وبنى عدّة قصور، وطالت أيّامه.

وقال صاحب المرآة: في سنة خمسٍ وخمسين دخل الصُّليحيّ إلى مكة، واستعمل الجميل مع أهلها، وطابت قلوب النّاس، ورخصت الأسعار، ودعوا له. وكان شابّاً أشقر، أزرق، إذا جاز على جماعةٍ سلَّم عليهم. وكان ذكيّاً فطناً لبيباً، كسا البيت ثياباً بيضاء، ودخل البيت ومعه الحرّة زوجته الّتي خطب لها على منابر اليمن.

وقيل: إنّه أقام بمكّة شهراً ورحل، وكان يركب فرساً بألف دينار، وعلى رأسه العصائب. وإذا ركبت الحرّة ركبت في مائتي جارية، مزينّات بالحليّ والجواهر، وبين يديها الجنائب بسروج الذَّهب.

وقال ابن خلكِّان: وقد حجّ في سنة ثلاثٍ وسبعين، واستخلف مكانه ولده الملك المكرَّم أحمد. فلمّا نزل بظاهر المهجم وثب عليه جيّاش بن نجاح وأخوه سعيد فقتلاه بأبيهما نجاح الّذي سمّه. فانذعر النّاس، وكان الأخوان قد خرجا في سبعين راجلاً بلا مركوب ولا سلاح بل مع كلّ واحدٍ جريدة في رأسها مسمار حديد، وساروا نحو السّاحل. وسمع بهم الصليحي فسيّر خمسة آلاف حربة من الحبشة الذين في ركابه لقتالهم فاختلفوا في الطّريق. ووصل السّبعون إلى طرف مخيّم الصُّليحيّ، وقد أخذ منهم التّعب والحفا، فظنَّ النّاس أنّهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>