السلطان فأكرمه، وأمره بالمسير لغزو الفرنج، وأقطعه الموصل ونواحيها.
وكان جكرمش لما عاد من عند السلطان قد التزم بحمل المال وبالخدمة، فلما حصل ببلاده لم يف بما قال، فسار جاولي إلى بغداد ثم إلى الموصل، ونهب في طريقه البوازيج بعد أن آمن أهلها، ثم قصد إربل، فتجمع جكرمش في ألفين، وكان جاولي في ألف، فحمل جاولي على قلب جكرمش فانهزم من فيه، وبقي جكرمش وحده لا يقدر على الهزيمة؛ لفالج به، فأسروه، ونازل جاولي الموصل يحاصرها وبها زنكي بن جكرمش، ومات جكرمش في أيام الحصار عن نحو ستين سنة.
وأرسل غلمان جكرمش إلى الأمير صدقة بن مزيد وإلى قسيم الدولة البرسقي وإلى صاحب الروم قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش يستدعون كلا منهم ليكشف عنهم، ويسلمون إليه الموصل، فبادر قلج أرسلان، وخاف جاولي فترحل، وأما البرسقي شحنة بغداد فسار فنزل تجاه الموصل بعد رحيل جاولي بيوم، فما نزلوا إليه، فغضب ورجع، وتملكها قلج أرسلان، وحلفوا له في رجب، وأسقط خطبة السلطان محمد، وتألف الناس بالعدل، وقال: من سعى إلي في أحد قتلته.
وأما جاولي فنازل الرحبة يحاصرها، ثم افتتحها بمخامرة وأنهبها إلى الظهر، وسار في خدمته صاحبها محمد بن سباق الشيباني.
ثم سار قلج أرسلان ليحارب جاولي، فالتقوا في ذي القعدة فحمل قلج أرسلان بنفسه، وضرب يد صاحب العلم فأبانها، ووصل إلى جاولي فضربه بالسيف، فقطع الكزاغند فقط، وحمل أصحاب جاولي على الآخرين فهزموهم فعلم قلج أرسلان أنه مأسور، فألقى نفسه في الخابور، وحمى نفسه من أصحاب جاولي، فدخل به فرسه في ماء عميق، فغرق، وظهر بعد أيام، فدفن ببعض قرى الخابور.
وساق جاولي إلى الموصل، ففتح أهلها له وتملكها، وكثر رجاله وأمواله، ولم يحمل شيئًا من الأموال إلى السلطان، فلما قدم السلطان بغداد لحرب صدقة طلب جاولي فلم يحضر وراوغ فلما فرغ من أمر صدقة جهز عسكرًا لحرب جاولي، وتحصن هو بالموصل وعسف وظلم، وأهلك الرعية.