وقيل: إنه قتل الرسول، فسار الموفَّق في جيوشه إلى مدينة الخبيث بنهر أبي الخصيب، فأشرف عليها، وكان قد سمّاها المختارة، فتأمّلها الموفَّق ورأى حصانتها وأسوارها وخنادقها، فرأى شيئًا لم ير مثله، ورأى من كثرة المقاتلة ما استعظمه، ورفعوا أصواتهم، فارتجّت الأرض، فرشقهم ابنه أبو العبّاس بالنّشّاب، فرموه رمية واحدة بالمجانيق والمقاليع والنّشّاب، فأذهلوا الموفَّق، فرجع عنهم، وثبت أبو العباس.
واستأمن جماعة من أصحاب الخبيث إلى أبي العبّاس فأحسن إليهم، ثم استأمن منهم بشر كثير، فخلع على مقدَّميهم. فلمّا كان في اليوم الثّاني جهّز الخبيث بهبوذ في السماريّات، فالتقاه أبو العباس، فاقتتلوا، فأصاب بهبوذ طعنتان ونشاب، فهرب إلى الخبيث، ورجع أبو أحمد إلى معسكره بنهر المبارك ومعه خلق قد استأمنوا. فلمّا كان في شعبان برز الخبيث في ثلاثمائة ألف فارس وراجل، فركب الموفَّق في خمسين ألفًا، وكان بينهم النهر، فنادى الموفَّق بالأمان لأصحاب الخبيث، فاستأمن إليه خلق كثير، ثم انفصل الجمعان عن غير قتال.
ثم بنى الموفَّق مدينة بإزاء مدينة الخبيث على دجلة وسمّاها الموفَّقيّة، وجمع عليها خلائق من الصُّنّاع، وبنى بها الجامع والأسواق والدُّور، واستوطنها النّاس للمعاش. وكان عدد من استأمن في شهرين خمسة آلاف من جيش الخبيث، ما بين أبيض وأسود.
وفي شوال كانت الوقعة بين أبي العبّاس والخبيث، قتل منهم خلق كثير. وذلك لأن الخبيث انتخب من قوّاده خمسة آلاف، وأمرهم أن يعدّوا فيتبينوا عسكر الموفّق، فلّما عبروا بلغ الموفَّق الخبر من ملاح، فأمر ابنه بالنّهوض إليهم، فنصر عليهم وصلبهم على السُّفن، ورمى برؤوس القتلى في المناجيق إلى مدينة الخبيث، فذلّوا.
وفي ذي الحجّة عبر الموفّق بجيوشه إلى مدينة الخبيث، وكان الزَّنج قبل ذلك قد ظهروا على أبي العبّاس، وقتلوا من أصحابه جماعة، فدخل الموفّق بجميع جيوشه ودار حول المدينة، والزَّنج يرمونهم بالمجانيق وغيرها. فنصب المسلمون السّلالم على السّور وطلعوا ونصبوا أعلام