الثناء عليه، ويصفونه بالحفظ، والإتقان، والديانة، والمحافظة على السنن، والنوافل. وسمعت جماعة من شيوخي يذكرون أن ابن ناصر، وأبا منصور ابن الجواليقي كانا يقرآن الأدب على أبي زكريا التبريزي، ويسمعان الحديث، فكان الناس يقولون: يخرج ابن ناصر لغويَّ بغداد، وابنُ الجواليقي محدّثها، فانعكس الأمر.
قلت: قد كان ابن ناصر مبرّزًا في اللغة أيضًا.
وقال ابن النجار: قرأت بخط ابن ناصر، وأخبرنيه يحيى بن الحسين عنه سماعًا من لفظه، قال: بقيت سنين لا أدخل مسجد الشيخ أبي منصور، يعني الخياط المقرئ، واشتغلت بالأدب على أبي زكريا التبريزي، فجئت في بعض الأيام لأقرأ على أبي منصور الحديث، فقال: يا بني، تركت قراءة القرآن، واشتغلت بغيره، عدْ إلينا لتقرأ عليّ، ويكون لك إسناد، ففعلت وعدت إلى المسجد، وذلك في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وكنت أقرأ عليه، وأسمع منه الحديث، وكنت أقول في أكثر وقتي: اللهمّ بيّن لي أي المذاهب خير، وكنت مرارًا قد مضيت لأقرأ على القيرواني المتكلّم كتاب التمهيد للباقلاني، وكأن إنسانًا يردّني عن ذلك، حتى كان في بعض الليالي رأيت في المنام كأني قد دخلت إلى المسجد إلى عند شيخنا أبي منصور، وهو قاعد في زاويته، وبجنبه رجل عليه ثيابُ بياض، ورداء على عمامته يشبه الثياب الريفية، درّيُّ اللون، وعليه نورٌ وبهاء، فسلّمت، وجلست بين أيديهما، ووقع في نفسي له هيبة، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جلست التفتَ إلي الرجل، فقال لي: عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ، ثلاث مرات، فانتبهت مرعوبًا، وجسمي يرجف ويرعد، فقصصت ذلك على والدتي، وبكّرت إلى الشيخ لأقرأ عليه، فحكيت له ذلك، وقصصت عليه الرؤيا، فقال لي: يا ولدي، ما مذهب الشافعي الذي هو مذهبك إلا حسن، ولا أقول لك اترك مذهبك، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعري، فقلت: ما أريد أن أكون نصفين، فأنا أشهدُك وأشهد الجماعة أنني منذ اليوم على مذهب أحمد بن حنبل في الأصول والفروع، فقال لي: وفّقك الله، ثم أخذت من ذلك الوقت في سماع كتب أحمد بن حنبل ومسائله، والتفقّه على مذهبه، وسماع مسنده، وذلك في رمضان من سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة.