للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نأمن أن تجيبك منهم طائفة فتطأ خيل المنصور الصغير والكبير، فتكون قد تعرضت لمأثم، فقلت: خرجت لقتال المنصور، وأنت تتوقى قتل الصغير والكبير؟ أليس قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجه السرية فتقاتل، فيكون في ذلك نحو ما كرهت فقال: أولئك مشركون، وهؤلاء أهل قبلتنا.

ولما نزل باخمرا كتب إليه سلم بن قتيبة: إنك قد أصحرت ومثلك أنفس به على الموت، فخندق على نفسك، فإن كنت لم تفعل، فقد أعرى المنصور عسكره، فخف في طائفة حتى تأتيه فتأخذ بقفاه، فعرض ذلك إبراهيم على قواده فقالوا: أنخندق على نفوسنا ونحن ظاهرون عليهم؟ والله لا نفعل. وقال بعضهم: أنأتيه وهو في أيدينا متى أردنا؟ وقال آخر: لما التقى الجمعان قلت لإبراهيم: إن الصف إذا انهزمت تعبئته تداعى، فاجعلنا كراديس، فإن انهزم كردوس ثبت كردوس، فتنادى أصحابه: لا لا، إلا تعبئة أهل الإسلام وقتالهم {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا}

وقال آخر: أتيت إبراهيم فقلت: إنهم مصبحوك بما يسد عليك مغرب الشمس في السلاح والكراع، وإنما معك رجال عراة، فدعنا نبيتهم، فقال: إني أكره القتل. فقلت: تريد الملك وتكره القتل، والتقوا بباخمرا، وهي على يومين من الكوفة، فاشتد الحرب، والتحم القتال، فانهزم حميد بن قحطبة، وكان على المقدمة، فانهزم الجيش، فناشدهم عيسى بن موسى الله تعالى، ومر الناس، فثبت عيسى في مائة فارس من خواصه، فقيل له: لو تنحيت فقال: لا أزول حتى أقتل أو أفتح، ولا يقال انهزم.

وعن عيسى قال: لما رأى المنصور توجيهي إلى إبراهيم قال: إن المنجمين يزعمون أنك لاقيه، وإن لك جولة، ثم يفيء إليك أصحابك فكان كما قال: فلقد رأيتني وما معي ثلاثة أو أربعة فقال غلامي علام تقف؟ فقلت: والله لا ينظر إلي أهل بيتي منهزماً، ثم كان أكثر ما عندي أن

<<  <  ج: ص:  >  >>