قال: قد نزل بنا ما ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا ندما.
وقال خالد الحذاء، عن الجريري، عن عبد ربه أو غيره: إن الحسين لما أرهقه السلاح قال: ألا تقبلون مني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من المشركين؟ قيل: وما كان يقبل منهم؟ قال: كان إذا جنح أحدهم قبل منه، قالوا: لا، قال: فدعوني أرجع، قالوا: لا، قال: فدعوني آتي أمير المؤمنين يزيد. فأخذ له رجل السلاح، فقال له: أبشر بالنار، فقال: بل إن شاء الله برحمة ربي وشفاعة نبيي، قال: فقتل وجيء برأسه حتى وضع في طست بين يدي ابن زياد، فنكته بقضيبه وقال: لقد كان غلاما صبيحا، ثم قال: أيكم قاتله؟ فقام الرجل، فقال: ما قال لك؟ فأعاد الحديث، فاسود وجهه.
وروى ابن سعد في الطبقات بأسانيده، قالوا: وأخذ الحسين طرق العذيب، حتى نزل قصر أبي مقاتل، فخفق خفقة، ثم انتبه يسترجع وقال: رأيت كأن فارسا يسايرنا ويقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنه نعى إلينا أنفسنا، ثم سار فنزل بكربلاء، فسار إليه عمر بن سعد في أربعة آلاف كالمكره، واستعفى عبيد الله فلم يعفه، ومع الحسين خمسون رجلا، وتحول إليه من الجيش عشرون رجلا، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلا، وقتل عامة أصحابه حوله، وذلك في يوم الجمعة يوم عاشوراء، وبقي عامة نهاره لا يقدم عليه أحد، وأحاطت به الرجالة، فكان يشد عليهم فيهزمهم، وهم يتدافعونه، يكرهون الإقدام عليه، فصاح بهم شمر: ثكلتكم أمهاتكم، ماذا تنتظرون به؟ فطعنه سنان بن أنس النخعي في