فضرب الدَّهر ضربانه، وانصرف أبو سعد إلى نيسابور، وباع أملاكه، وجمع ما قدر عليه، وقدم بغداد، وبنى الرّباط، وحضر فيه الأصحاب، وأحضر أحمد بن زهراء وركب واحدٌ جملًا حتّى دخل من باب الرّباط. وسمعت ولده أبا البركات إسماعيل يقول: لمّا غرق جميع بغداد في سنة ستًّ وستّين وأربعمائة، وكان الماء يدخل الدُّور من السُّطوح، وضرب الجانب الشّرقيّ بالكلّية، اكترى والدي زورقًا، وركب فيه، وحمل أصحابه الصُّوفيّة وأهله. وكان الزَّورق يدور على الماء، والماء يخرّب الحيطان، ويحمل الأخشاب إلى البحر، فقال أحمد بن زهراء لوالدي: لو اكتريت زورقًا ورجلًا يأخذ هذه الجذوع ويربطها في موضع، حتّى إذا نقص الماء بنيت الرّباط، كان أخفَّ عليك.
قال: يا شيخ أحمد هذا زمان التّفرقة، ولا يمكن الجمع في زمن التّفرقة. فلمّا هبط الماء بنى الرّباط أحسن ممّا كان.
توفّي في ربيع الآخر، وهو الّذي تولّى رباط نهر المعلَّى. وكان عالي الهمّة، كثير التّعصُّب لأصحابه، جدَّد تربة معروف الكرخيّ بعد أن احترقت. وكان ذا منزلةٍ كبيرةٍ عند السّلطان، وحرمة عند الدّولة. وكان يقال: الحمد لله الّذي أخرج رأس أبي سعد من مرقَّعةٍ، فلو خرج من قباء لهلكنا.
وابن زهراء هذا هو أبو بكر الطُّريثيثيّ.
٢٧٥ - أحمد بن محمد بن مفرج ّ، أبو العبّاس الأنصاريّ القرطبيّ، يعرف بابن رميلة.
كان معنيًّا بالعلم، وصحبة الشّيوخ. وله شعر حسن في الزُّهد، وفيه عبادة. واستشهد بوقعة الزّلاّقة، مقبلًا غير مدبر رحمه الله، وكانت يوم الجمعة ثاني عشر رجب على مقربةٍ من بطليوس، قتل فيها من الفرنج ثلاثون ألف فارس، ومن الرَّجَّالة ما لا يحصى؛ وهي من الملاحم المشهورة كما تقدم.
٢٧٦ - أحمد بن يوسف بن أصبغ، أبو عمر الطُّليطليّ.
سمع أباه، وعبد الرحمن بن محمد بن عبّاس. وكان ماهرًا في الحديث