وقال الغلابي: حدثنا يعقوب بن جعفر قال: قال الرشيد لابنه أبي عيسى وهو صبي: ليت جمالك لعبد الله، يعني المأمون. فقال: على أن حظه لي، فعجب من جوابه على صغره، وضمه إليه وقبله. وقيل: إن المأمون كلم أخاه أبا عيسى بشيء فأخجله فقال:
يكلمني ويعبث بالبنان من التشويش منكسر اللسان وقد لعب الحياء بوجنتيه فصار بياضها كالأرجوان وقال الصولي: حدثنا الحسين بن فهم قال: لما قال أبو عيسى بن الرشيد:
دهاني شهر الصوم لا كان من شهر ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر ولو كان يعديني الإمام بقدره على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر ناله بعقب هذا صرع، فكان يصرع في اليوم مراتٍ حتى مات، ولم يبلغ رمضان آخر.
وقال محمد بن عباد المهلبي: كان المأمون قد أهل أخاه أبا عيسى الخلافة بعده. وكان يقول: ما أجزع من قرب المنية حق الجزع لبلوغ أبي عيسى ما لعله يشتهيه. وكان أبو عيسى ممن لم ير قط أحسن منه، فمات. فدخلت للتعزية، فنبذت عمامتي وجعلتها ورائي؛ لأن الخلفاء لا تعزى في العمائم، فقال المأمون: يا محمد، حال القدر دون الوطر، وألوت المنية بالأمنية. وكان يعرفني ما له عنده وعزمه فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين، كل مصيبة أخطأتك سوى، فجعل الله الحزن لك لا عليك.
وقال صاحب الأغاني أبو الفرج: حدثني ابن أبي سعد الوراق، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن طاهر قال: حدثني أبي قال: قال أحمد بن أبي دؤاد: دخلت على المأمون في أول صحبتي إياه، وقد توفي أخوه أبو عيسى، وكان له محبا، وهو يبكي ويتمثل:
سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض فحسبك مني ما تجن الجوانح