للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم عامله مسعود بما أمره به عمه، وسأل من الخليفة أن يشفعه في دبيس، فأجابه، فأحضروه مكتوفًا بين أربعة أمراء، ومع واحد سيف مجذوب، وكفن منشور، وألقي بين يدي السرير، وقال مسعود: يا أمير المؤمنين هذا السبب الموجب لما تم، فإذا زال السبب زال الخلاف، ومهما تأمر نفعل به، وهو يبكي ويتضرع ويقول: العفو عند القدرة، وأنا أقل وأذل، فعفى عنه وقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} فحلوه، وقبل يد أمير المؤمنين وأمرها على وجهه، وقال: بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما عفوت عني، وتركتني أعيش في الدنيا، فإن الخوف منك قد برح بي.

وأما بكبة شحنة بغداد، فإنه أمر بنقض السور ببغداد، فنقضت مواضع كثيرة، وقال: عمرتموه بفرح، فانقضوه كذلك، وضربت لهم الدبادب، وردوا الباب الحديد الذي أخذ من جامع المنصور إلى مكانه.

وقدم رسولٌ ومعه عسكر يستحث مسعودا من جهة عمه على إعادة الخليفة إلى بغداد، فجاء في العسكر سبعة عشر من الباطنية، فذكر أن مسعودًا ما علم بهم، فالله أعلم، فركب السلطان والعساكر لتلقي الرسول، فهجمت الباطنية على الخليفة، ففتكوا به رحمه الله، وقتلوا معه جماعة من أصحابه، فعلم العسكر، فأحاطوا بالسرادق فخرج الباطنية وقد فرغوا من شغلهم، فقتلوا، وجلس السلطان للعزاء، ووقع النحيب والبكاء، وذلك على باب مراغة، وبها دفن.

وجاء الخبر، فطلب الراشد الناس طول الليل فبايعوه ببغداد، فلما أصبح شاع قتله، فأغلق البلد، ووقع البكاء والنحيب، وخرج الناس حفاةً مخرقين الثياب، والنساء منشرات الشعور يلطمن، ويقلن فيه المراثي على عادتهن، لأن المسترشد كان محببًا فيهم بمرة، لما فيه من الشجاعة والعدل والرفق بهم.

فمن مراثي النساء فيه:

يا صاحب القضيب ونور الخاتم صار الحريم بعد قتلك مأتم اهتزت الدنيا ومن عليها بعد النبي ومن ولي عليها قد صاحت البومة على السرادق يا سيدي ذا كان في السوابق ترى تراك العين في حريمك والطرحة السوداء على كريمك وعمل العزاء في الديوان ثلاثة أيام، تولى ذلك ناصح الدولة ابن جهير، وأبو الرضا صاحب الديوان، ثم شرعوا في الهناء، وكتب السلطان إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>