قال: وهذا مع كثرته نزرٌ في جنب ما هلك بمصر والحواضر، وكلّه نزرٌ في جنب ما هلك بالإقليم، وسمعنا من الثِّقات عن الإسكندرية أن الإمام صلّى يوم الجمعة على سبع مائة جنازة، وأن تركةً انتقلت في مدّة شهر إلى أربعة عشر وارثاً، وأن طائفة تزيد على عشرين ألفًا انتقلوا إلى برقة وأعمالها، فعمروها وقطنوا بها، وكانت مملكة عظيمة خربت في زمان خلفاء مصر على يد الوزير اليازوريّ، ونزح عنها أهلها.
ومن عجيبٍ ما اتفق لشيخٍ من أطباء اليهود ممن كان ينتابني أنه استدعاه رجلٌ ذو شارة وشُهرة، فلما صار في المنزل وأغلق الباب وثب المريض عليه فجعل في عنقه وهَقاً، ومرث خصيتَيه، ولم يكن له معرفة بالقتل، فطالت المناوشة، وعلا ضجيجه، فتسامع النّاس، ودخلوا فخلّصوا اليهودي، وبه رمق، وقد وجبت خصَاه، وكُسرت ثنيَّتاه، وحُمل إلى منزله، وأُحضر ذاك إلى الوالي فقال: ما حملك على هذا؟ قال: الجوع فضربه ونفاه.
في سحر يوم الاثنين السّادس والعشرين من شعبان ارتاع الناس، وهبّوا من مضاجعهم مدهوشين، وضجّوا إلى الله تعالى، وبقيت مدّة وكانت حركتها كالغربلة، أو كخفق جناح الطائر، وانقضت على ثلاث زحفات قويّة، مادّت الأبنية، واصطفقت الأبواب، وتداعى من الأبنية الواهي والعالي، ثم تواترت الأخبار بحدوثها في هذه الساعة في البلاد النّائية، فصح عندي أنها تحرَّكت من قوص إلى دمياط والإسكندرية، ثم بلاد السّاحل بأسرها، والشّام طولًا وعرضاّ، وتعفّت بلاد كثيرة وهلك من الناس خلق عظيم وأمم لا تُحصى، ولا أعرف في الشّام أحسن سلامة من القدس، وأنكت في بلاد الفرنج أكثر، وسمعنا أنها وصلت إلى خلاط وإلى قبرس، وأن ال حر ارتطم وتشوهت مناظره، وصار فرقا كالأطواد، وعادت المراكب على الأرض، ثم تراجعت المياه، وطفا سمك كثير على سواحله، ووردت كتُب من الشام بأمر الزّلزلة،