فمن الحوادث فيها أن أبا الحسن علي بن محمد بن المعلم الكوكبي كان قد استولى على أمور السلطان بهاء الدولة كلها، فمنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح يوم عاشوراء، ومن تعليق المسوح، وكان كذلك يعمل من نحو ثلاثين سنة، ووقع أيضاً بإسقاط جميع من قبل من الشهود بعد وفاة القاضي أبي محمد بن معروف، وأن لا يقبل في الشهادة إلا من كان ارتضاه ابن معروف، وذلك لأنه لما توفي كثر قبول الشهود بالشفاعات، حتى بلغت عدة الشهود ثلاث مائة وثلاثة أنفس، ثم إنه فيما بعد، وقع بقبولهم في السنة.
وفيها شغبت الجند، وخرجوا بالخيم إلى باب الشماسية، وراسلوا بهاء الدولة يشتكون من أبي الحسن بن المعلم، وتعديد ما يعاملهم به، وطالبوه بتسليمه إليهم. وكان ابن المعلم قد استولى على الأمور، فالمقرب من قربه والمبعد من أبعده، فثقل على الأمراء أمره، ولم يراعهم هو، فأجابهم السلطان، ووعدهم، فأعادوا الرسالة بأنهم لا يرضون إلا بتسليمه إليهم، فأعاد الجواب بأنه يبعده عن مملكته، فأبوا ذلك، إلى أن قال له الرسول: أيها الملك إن الأمر شديد، فاختر بقاءه أو بقاء دولتك، فقبض عليه حينئذ وعلى أصحابه، وأخذ حواصله، فصمم الجند أنهم لا يرجعون إلا بتسليمه، فتذمم من ذلك، وركب إليهم، فلم يقم أحد منهم إليه ولا خدمه، وعاد وقد أقاموا على المطالبة به، وترك الرجوع إلا بعد تسليمه إلى أبي حرب خال بهاء الدولة، فسقي السم دفعتين، فلم يعمل فيه، فخنق بحبل.
وفي رجب، سلم الطائع لله المخلوع إلى القادر بالله، فأنزله في حجرة ووكل به من يحفظه، وأحسن صيانته ومراعاة أموره، فكان المخلوع يطالب من زيادة الخدمة بمثل ما كان يطالب به أيام خلافته، وأنه حمل إليه طيب من بعض العطارين، فقال: أمن هذا يتطيب أبو العباس؟ قالوا: نعم. فقال: قولوا له في الموضع الفلاني من الدار كندوج فيه طيب مما كنت أستعمله فأنفذ لي بعضه، وقدمت إليه في بعض الليالي شمعة قد أوقد نصفها، فأنكر ذلك، فحملوا إليه غيرها، وأقام على هذا إلى أن توفي.