خمسة عشر يومًا ما ذاب، وهلك شجر الأترج، والليمو، ولم يعهد سقوط ثلج بالبصرة إلا في هذه السنة.
ودخل دبيس الحلة، فأخرج أهلها، فازدحموا على المعابر، فغرق منهم نحو الخمسمائة. ودخل أخوه النيل، فأخرج شحنة السلطان منها، وأخذ ما فيها من الميرة. فحث الخليفة السلطان على دبيس، فندب السلطان الأمراء لقصد دبيس، فلما قصدوه أحرق دار أبيه، وذهب إلى النيل. فأتى العسكر الحلة، فوجدوها فارغة، فقصدوه وهو بنواحي الني، ثم صالحوه، وحلف للسلطان.
وفي صفر أقطع السلطان لآقسنقر البرسقي الموصل وأعمالها، وبعثه إليها، وأمره بجهاد الفرنج، فسار إليها في عسكر كبير، واستقر بها.
وكان الأمير إيلغازي بن أرتق في هذه المدة حاكمًا على ماردين وحلب، وابنه سليمان بحلب، فعزل سليمان منها لكونه أراد أن يعصي على أبيه.
وفيها أعيدت المكوس، وألزمت الباعة أن يدفعوا إلى السلطان ثلثي ما يأخذونه من الدلالة، وفرض على كل ثوب من السقلاطوني ثمانية قراريط، ثم قيل للباعة: زنوا خمسة آلاف شكرًا للسلطان، فقد أمر بإزالة المكس.
ومرض وزير السلطان، فعاده السلطان وهنأه بالعافية، فاحتمل واحتفل وعمل، أعني الوزير، وليمة عظيمة إلى الغاية، فيها الملاهي والأغاني، نابه عليها خمسون ألف دينار.
وفيها توفي علي بن يلدرك التركي، وكان شاعرًا مترسلًا ظريفًا، توفي في صفر ببغداد. قال أبو الفرج ابن الجوزي: نقلت من خط ابن عقيل، قال: حدثني الرئيس أبو الثناء علي بن يلدرك، وهو ممن خبرته بالصدق، أنه كان في سوق نهر المعلى، وبين يديه رجل على رأسه قفص زجاج، وهو مضطرب المشي، يظهر منه عدم المعرفة بالحمل، فما زلت أترقب سقوطه.
قال: فسقط، فتكسر الزجاج، فبهت الرجل، ثم أخذ عند الإفاقة من البكاء يقول: هذا والله جميع بضاعتي، والله لقد أصابني بمكة مصيبة عظيمة توفي على هذه، ما دخل قلبي مثل هذه! واجتمع حوله جماعة يرثون له، ويبكون عليه، وقالوا: