ولما عرف نور الدين النصر، واستقرار ملك مصر، ارتاح سره، وانشرح صدره، وأمد الصلاح بأخيه شمس الدولة تورانشاه.
وأما مملكة الري فكانت بيد إينانج يؤدي حملا إلى إلدكز صاحب أذربيجان، فمنعه سنتين، وطالبه فاعتذر بكثرة الجند والحاشية، فقصده إلدكز، فالتقيا وعملا مصافا، فانهزم إينانج، وتحصن بقلعة، فحصره إلدكز فيها. ثم كاتب غلمان إينانج وأطمعهم، فقتلوه، وسلموا البلد إلى إلدكز، فلم يف لهم بما وعد، وطردهم، وظفر خوارزم شاه بالذي باشر قتل إينانج، فأخذه وصلبه. وأما إلدكز فعاد إلى همذان، وكان هذه المدة قد سكنها.
وفيها تملك الأمير شملة صاحب خوزستان بلاد فارس، ثم حشد صاحبها وجمع، وحارب شملة ونصر عليه، فرد شملة إلى بلاده.
وفيها قتل العاضد بالقصر الكامل وأخاه ابني شاور وعمهما في جمادى الآخرة؛ وذلك أنهم لاذوا بالقصر، ولو أنهم جاءوا إلى أسد الدين سلموا، فإنه ساءه قتل شاور.
وفيها كانت الزلزلة العظمى بصقلية، وأهلك خلق كثير، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
[سنة خمس وستين وخمسمائة]
وردت الأخبار بوقوع زلازل في الشام وقع فيها نصف حلب، ويقال: هلك من أهلها ثمانون ألفا؛ ذكره ابن الجوزي.
وقال العماد: تواصلت الأخبار من جميع البلاد الشامية بما أحدثته الزلزلة بها من الانهدام والانهداد، وأن زلات زلازلها حلت وجلت، ومعاقد معاقلها انحلت واختلت، وألقت ما فيها وتخلت، وأن أسوارها غرتها الأسواء وعرتها، وقرت بها النواكب فنكبتها وما أقرتها، وانهارت بالأرجاف أجراف أنهارها، وأن سماءها انفطرت، وشموسها كورت، وعيونها عورت وغورت. وذكر فصلا طويلا في الزلزلة وتهويلها.