وفيها أخذت الفرنج بيت المقدس؛ لما كسرت الفرنج خذلهم الله، المسلمين على أنطاكية في العام الماضي قووا وطغوا، وكان تاج الدولة تتش قد استولى على فلسطين وغيرها، وانتزع البلاد من نواب بني عبيد، فأقطع الأمير سقمان بن أرتق التركماني بيت المقدس، فرتبه وحصنه، فسار الأفضل بن بدر أمير الجيوش، فحاصر الأمير سقمان وأخاه إيلغازي، ونصبوا على القدس نيفاً وأربعين منجنيقاً، فهدموا في سوره، ودام الحصار نيفاً وأربعين يوماً، وأخذوه بالأمان في شعبان سنة تسع وثمانين، وأنعم الأفضل على سقمان وأخيه، وأجزل لهم الصلات، فسار سقمان واستولى على الرها، وذهب أخوه إلى العراق، وولى على القدس افتخار الدولة المصري، فدام فيه إلى هذا الوقت، وسارت جيوش النصرانية من حمص، فنازلت عكا أياماً، ثم ترحلوا وأتوا القدس، فحاصروه شهراً ونصفا، ودخلوه من الجانب الشمالي ضحوة نهار الجمعة لسبعٍ بقين من شعبان، واستباحوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
واحتمى جماعة ببرج داود، ونزلوا بعد ثلاثٍ بالأمان، وذهبوا إلى عسقلان.
قال ابن الأثير: قتلت الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً، منهم جماعة من العلماء والعباد والزهاد، ومما أخذوا أربعين قنديلاً من الفضة، وزن القنديل ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا تنوراً من فضة، وزنه أربعون رطلاً بالشامي، وغنموا ما لا يحصى، وورد المستنفرون من الشام إلى بغداد صحبة القاضي أبي سعد الهروي، فأوردوا في الديوان كلاماً أبكى العيون وجرح القلوب، وبعث الخليفة رسلاً، فساروا إلى حلوان، فبلغهم قتل مجد الملك الباسلاني، فردوا من غير بلوغ أربٍ، ولا قضاء حاجة، واختلف السلاطين، وتمكنت الفرنج من الشام، وللأبيوردي:
مزجنا دماء بالدموع السواجم فلم يبق منا عرضة للمراجم وشر سلاح المرء دمع يفيضه إذا الحرب شبت نارها بالصوارم فإيهاً بني الإسلام، إن وراءكم وقائع يلحقن الردى بالمناسم