ولد سنة اثنتين وخمسمائة، ويقال: إنه ولد مسدودًا، فأحضروا الأطباء، فأشاروا بأن يفتح له مخرجٌ بآلةٍ من ذهب، ففعل ذلك به فنفع، وأمه أم ولد، خطب له أبوه بولاية العهد في سنة ثلاث عشرة.
قال ابن واصل القاضي: حكي عمن كان يدخل إلى دار الخلافة ويطلع على أسرارهم، أن الخليفة المسترشد أعطى ولده الراشد، وعمره أقل من تسع سنين، عدة جواري، وأمرهن أن يلاعبنه، وكانت فيهن جارية حبشية، فحملت من الراشد، فلما ظهر الحمل وبلغ ذلك المسترشد أنكره، فسألها، فقالت: والله ما تقدم إلي سواه، وإنه احتلم، فسأل باقي الجواري فقلن كذلك، فأمر أن تحمل الجارية قطنًا، ثم وطئها الراشد، ثم أخرجت القطن وعليه المني، ففرح المسترشد، وهذا من أعجب الأشياء، ثم وضعت الجارية ولدًا سماه أمير الجيش، وقد قيل: إن صبيان تهامة يحتلمون لتسعٍ، وكذلك نساؤهم، وكان للراشد نيف وعشرون ولدًا.
بويع بالخلافة في ذي القعدة سنة تسعٍ وعشرين، وكان أبيض، مليحًا، تام الخلق، شديد الأيد، شجاعًا، قيل: إنه كان في بستان دار الخلافة أيل عظيم الشكل، اعترض في البستان، وأحجم الخدم عنه، فهجم هو عليه، وأمسك بقرنيه ورماه إلى الأرض وطلب منشارًا، وقطع قرنيه.
وكان حسن السيرة، جيد الطوية، يؤثر العدل، ويكره الشر، وكان فصيحًا، أديبًا، شاعرًا، سمحًا، جوادًا، لم تطل أيامه حتى خرج من بغداد إلى الموصل، ودخل ديار بكر، ومضى إلى أذربيجان، ومازندران، ثم عاد إلى أصبهان، وأقام على باب أصبهان ومعه السلطان داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه محاصرا لأصبهان إلى أن قتلته الملاحدة هناك.
وكان بعد خروجه من بغداد وصول السلطان مسعود بن محمد إليها، فاجتمع بالكبار، وخلع الراشد بالله، وبايع عمه الإمام المقتفي، ودام الأمر سنةً للراشد قبل ذلك.
قال ابن ناصر الحافظ: دخل السلطان مسعود إلى بغداد وفي صحبته أصحاب المسترشد بالله الوزير علي بن طراد، وصاحب المخزن ابن طلحة، وكاتب الإنشاء، فخرج الراشد بالله طالبًا إلى الموصل في صحبة أميرها زنكي.