وقد كنا عند وفاة الملك مشرف الدولة اخترنا جلال الدولة ظنا منا أنه ينظر في الأمور، فأغفلنا، فعدلنا إلى الملك أبي كاليجار ظنا منه أنه يحقق ما يعدنا به، فكنا على أقبح من الحالة الأولى، ولا بُد من تدبير أمورنا. فخرج الجواب: بأنكم أبناء دولتنا، وأول ما نأمركم أن تكون كلمتكم واحدة. وقد وقع عقد لأبي كاليجار لا يحسن حله، ولبني بُويه في رِقابنا عُهود لا نعدل عنها. فدعونا حتى نكاتب أبا كاليجار ونعرف ما عنده، وكتب إليه: إنك إن لم تدارك الأمر خرج عن اليد. ثم آل الأمر إلى أن عاودوا وسألوا إقامة الأمر لجلال الدولة أبي الطاهر، فأعيدت الخطبة له.
وكتب محمود بن سُبكتكين إلى الخليفة كتابا فيه ما فتحه من بلاد الهند وكسره للصنم المشهور بسومنات، وأن أصناف الهند افتتنوا بهذا الصنم، وكانوا يأتونه من كل فج عميق، فيتقربون إليه بالأموال، ورتُب له ألف رجل للخدمة وثلاثمائة يحلقون رؤوس حجيجه، وثلاثمائة يغنون على باب الصنم، ولقد كان العبد يتمنى قلع هذا الصنم، ويتعرف الأحوال، فتوصف له المفاوز إليه وقلة الماء وكثرة الرمال. فاستخار العبدُ الله في الانتداب لهذا الواجب طلبا للأجر، ونهض في شعبان سنة ست عشرة في ثلاثين ألف فارس سوى المطوعة، ففرق في المطوعة خمسين ألف دينار معونةً، وقضى الله بالوصول إلى بلد الصنم، وأعان حتى ملك البلد، وقُلِع الوثن، وأوقدت عليه النار حتى تقطع، وقُتل خمسون ألفا من أهل البلد.
وفي رمضان قدم السلطان جلال الدولة بعد أن خرج القادر بالله لتلقيه، واجتمعا في دجلة. ثم نزل في دار السلطنة، وأمر أن يضرب له الطبل في أوقات الصلوات الثلاث، وعلى ذلك جرت الحال في أيام عضُد الدولة وصمصامها وشرفها وبهائها. فثُقل هذا الفعل على القادر بالله وأرسل إليه يكلمه. فاحتج جلالُ الدولة بما فعله سلطان الدولة، فقيل: كان ذلك على غير أصل ولا إذن، ولم تجر العادة بمماثلة الخليفة في هذا الأمر، وتردد الأمر إلى أن قطع الملك ضرب الطبل بالواحدة، فأذن الخليفة في ضرب الطبلِ في أوقات الصلوات الخمس.
وكان في هذه السنة بردٌ وجليد شديد بالعراق حتى جمد الخلُّ وأبوال الدواب.