الجهاد شاهدة، والأنجاد والأغوار في نظر عزمه واحدة، والبيت المقدس من فتوحاته، والمُلك العقيم من نتائج عزماته، وهو الذي ملك ملوك الشرق، وغل أعناقها، وأسر طواغيت الكفر، وشد خناقها، وقمع عبدة الصلبان، وقطع أصلابها، وجمع كلمة الإيمان وعصم جنابها، وقبض وعدله مبسوط، ووزره محطوط، وعمله بالصلاح منوط، وخرج من الدنيا وهو في الطاعة الإمامية داخل.
قال العماد الكاتب: لما توفي وملكت أولاده كان العزيز عثمان بمصر يقرب أصحاب أبيه ويكرمهم، والأفضل بدمشق يفعل بضد ذلك. وأشار عليه جماعة كالوزير الجزري الذي استوزره، يعني الضياء ابن الأثير.
وفيه يقول فتيان الشاغوري:
متى أرى وزيركم وما له من وزرِ يقلعه الله فذا أوانُ قلع الجزرِ ومن كتاب فاضلي: أما هذا البيت، فإن الآباء منه اتفقوا فملكوا، وإن الأبناء منه اختلفوا فهلكوا.
قلت: خلف من الأولاد صاحب مصر السلطان الملك العزيز، والملك الأفضل علي صاحب دمشق، والملك الظاهر غازي صاحب حلب، والملك المعز فتح الدين إسحاق، والملك المؤيد نجم الدين مسعود، والملك الأعز شرف الدين يعقوب، والملك الظافر مظفر الدين خضر، والملك الزاهر مجير الدين داود، والملك المفضل قطب الدين موسى، والملك الأشرف عزيز الدين محمد، والملك المحسن ظهير الدين أحمد، والملك المعظم فخر الدين تورانشاه، والجواد ركن الدين أيوب، والغالب نصير الدين ملك شاه، وعماد الدين شاذي. ونصرة الدين مروان، والمنصور أبو بكر، ومؤنسة زوجة الكامل.
هؤلاء كلهم عاشوا بعده، وكان أكثرهم بحلب عند الظاهر، وآخرهم موتًا تورانشاه، توفي بعد أخذ حلب، وكان بقلعتها.
قال الموفق عبد اللطيف: أتيتُ الشام، والملك صلاح الدين بالقدس، فأتيته فرأيته ملكًا عظيمًا، يملأ العيون روعةً، والقلوب محبةً، قريبًا بعيدًا، سهلًا محببًا، وأصحابه يتشبهون به، يتسابقون إلى المعروف كما قال الله