أن رجلا جاء إلى فضل الأنماطي فقال له: اجعلني في حل إذ لم أقم بنصرتك. فقال فضل: لا جعلت أحدا في حل، فتبسم أبي وسكت. فلما كان بعد أيام قال: مررت بهذه الآية: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى ٤٠] فنظرت في تفسيرها، فإذا هو ما حدثني أبو النضر قال: حدثنا ابن فضالة المبارك، قال: حدثني من سمع الحسن يقول: إذا جثت الأمم بين يدي الله رب العالمين نودوا: ليقم من أجره على الله. فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا، قال أبي: فجعلت الميت في حل من ضربه إياي. ثم جعل يقول: وما على رجل ألا يعذب الله بسببه أحدا.
وقال حنبل بن إسحاق: لما أمر المعتصم بتخلية أبي عبد الله خلع عليه مبطنة وقميصا وطيلسانا وخفا وقلنسوة، فبينا نحن على باب الدار والناس في الميدان والدروب وغيرها، وأغلقت الأسواق، إذ خرج أبو عبد الله على دابة من دار أبي إسحاق المعتصم، وعليه تلك الثياب، وابن أبي دؤاد عن يمينه، وإسحاق بن إبراهيم، يعني نائب بغداد، عن يساره، فلما صار في دهليز المعتصم قبل أن يخرج قال لهم ابن أبي دؤاد: اكشفوا رأسه. فكشفوه، يعني من الطيلسان، وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبس. فقال لهم إسحاق: خذوا به هاهنا، يريد دجلة. فذهب به إلى الزورق، وحمل إلى دار إسحاق، وأقام عنده إلى أن صليت الظهر. وبعث إلى أبي وإلى جيراننا ومشايخ المحال، فجمعوا وأدخلوا عليه، فقال لهم: هذا أحمد بن حنبل إن كان فيكم من يعرفه، وإلا فليعرفه.
وقال ابن سماعة حين دخل الجماعة: هذا أحمد بن حنبل، فإن أمير المؤمنين ناظره في أمره، وقد خلى سبيله، وها هو ذا. فأخرج على دابة لإسحاق بن إبراهيم عند غروب الشمس، فصار إلى منزله ومعه السلطان والناس، وهو منحنٍ. فلما ذهب لينزل احتضنته ولم أعلم، فوقعت يدي على موضع الضرب فصاح، فنحيت يدي، فنزل متوكئا علي، وأغلق الباب ودخلنا معه، ورمى بنفسه على وجهه لا يقدر يتحرك إلا بجهد، وخلع ما كان خلع عليه، فأمر به فبيع، وأخذ ثمنه وتصدق به. وكان المعتصم أمر إسحاق بن إبراهيم أن لا يقطع عنه خبره، وذلك أنه ترك فيما حكي لنا عند الإياس منه. وبلغنا أن المعتصم ندم وأسقط في يده حتى صلح. فكان صاحب خبر إسحاق يأتينا كل يوم يتعرف خبره حتى صح، وبقيت إبهاماه منخلعتين يضربان عليه في