فدخل دار برنقش، ولم ينم الناس، وأصبحوا على خوفٍ شديد، وخرج أبو الكرم الوالي يطلب الخليفة فأسر وحمل إلى مسعود، فأطلقه وأكرمه، وسلم إليه بغداد، ورحل الراشد يومئذٍ ولم يصحبه شيء من آلة السفر، لأنه لما بات في دار برنقش أصبحوا، ودخل خواصه يصلحون له آلة السفر، فرحل على غفلة.
ودخل مسعود بغداد، ونهب دواب الجند، وجاء صافي الخادم فقال: لم يفعل الخليفة صوابًا بذهابه، والسلطان له على نية صالحة، وسكن الناس. وأظهروا العدل، واجتمع القضاة والكبار عند السلطان مسعود، وقدحوا في الراشد، وبالغ في ذلك الوزير علي بن طراد، وقيل: بل أخرج السلطان خط الراشد: إني متى جندت أو خرجت انعزلت، فشهد العدول أن هذا خط الخليفة، والقول الأول الأظهر.
ثم أحكم ابن طراد النوبة، واجتمع بكلٍ من القضاة والفقهاء، وخوفهم وهددهم إن لم يخلعوه، وكتب محضرًا فيه: إن أبا جعفر ابن المسترشد بدا منه سوء أفعال وسفك دماء، وفعل ما لا يجوز أن يكون معه إمامًا، وشهد بذلك الهيتي، وابن البيضاوي، ونقيب الطالبيين، وابن الرزاز، وابن شافع، وروح بن الحديثي، وآخر، وقالوا: إن ابن البيضاوي شهد مكرهًا، وحكم ابن الكرخي قاضي البلد بخلعه في سادس عشر ذي القعدة، وأحضروا أبا عبد الله محمد ابن المستظهر بالله، وهو عم المخلوع.
قال سديد الدولة ابن الأنباري: أرسل السلطان مسعود إلى عمه السلطان سنجر: من نولي؟ فكتب إليه: لا تولي إلا من يضمنه الوزير، وصاحب المخزن، وابن الأنباري، فاجتمع مسعود بنا، فقال الوزير: نولي الزاهد الدين محمد ابن المستظهر، فقال: وتضمنه؟ قال: نعم، وكان صهرًا للوزير على بنته، فإنها دخلت يومًا في خلافة المستظهر، فطلب محمد ابن المستظهر هذا من أبيه تزويجها، فزوجه بها، وبقيت عنده، ثم توفيت.
قلت: فبايعوه، ولقب المقتفي لأمر الله، ولقب بذلك لسبب، قال ابن الجوزي: قرأت بخط أبي الفرج بن الحسين الحداد، قال: حدثني من أثق به أن المقتفي رأى في منامه قبل أن يستخلف بستة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: سيصل هذا الأمر إليك، فاقتف بي، فلقب المقتفي لأمر الله، ثم بويع اليوم الثاني البيعة العامة في محفلٍ عظيم، وبعث مسعود بعد أن أظهر العدل، ومهد بغداد، فأخذ جميع ما في دار الخلافة من دواب، وأثاث، وذهب، وستور،