ثم قال: اعرض أصحابك حتى أميز أهل الجنة من أهل النار، وعمل في ذلك حيلةً، قتل فيها من خالف أمر ابن تومرت، ثم لم يزل إلى أن جهز بعد فصولٍ طويلة عشرة آلاف مقاتل، وأقام هو في الجبل، فنزلوا لحصار مراكش، فأقاموا عليها شهرًا، ثم كسروا كسرة شنيعة، وهرب من سلم من القتل، وقتل الونشريسي المذكور.
وقال عبد الواحد بن علي المراكشي: ثم جعلوا يشنون الغارات على قرى مراكش، ويقطعون عنها الجلب، ويقتلون ويسبون الحريم، وكثر الداخلون في دعوتهم والمنحاشون إليهم، وابن تومرت في ذلك كله يكثر الزهد والتقلل والعبادة، أخبرني من رآه يضرب على الخمر بالأكمام والنعال وعسب النخل كفعل الصحابة، وأخبرني من شهده وقد أتي برجلٍ سكران فحده، فقال يوسف بن سليمان، أحد الأعيان: لو شددنا عليه حتى يخبرنا من أين شربها، فأعرض عنه، فأعاد قوله، فقال: أرأيت لو قال شربتها في دار يوسف بن سليمان ما كنا نصنع؟ فاستحيى وسكت، ثم ظهر أن عبيد يوسف بن سليمان سقوه، فزادهم هذا ونحوه فتنةً بابن تومرت.
قال اليسع بن حزم: ألف ابن تومرت كتاب القواعد، مما فيه: وأن التمادي على ذرةٍ من الباطل كالتمادي على الباطل كله، وألف لهم كتاب الإمامة، يقول فيه: حتى جاء الله بالمهدي، يعني نفسه، وطاعته صافية نقية، لا ضد له ولا مثل له، ولا ند في الورى، وإن به قامت السماوات والأرض.
قال اليسع: هذا نص قوله في الإمامة، وهذا نص تلقيته من قراءة عبد المؤمن بن علي، دون لهم هذا بالعربي وبالبربري، فلما قرؤوا هذين الكتابين زادهم ذلك شدةً في مذهبهم من تكفير الناس بالذنوب، وتكفيرهم بالتأخر عن طاعة المهدي الذي قامت به السماوات والأرض.
هذا نص ما قاله اليسع.
قال: وأمرهم بجمع العساكر، فخرجوا إلى ناحية مراكش، فوجدوا جيشًا للمرابطين، فالتقوا، فانهزم المرابطون هزيمة مات فيها أكثر من شهدها، وصبر فيها الموحدون، فلما كان في سنة إحدى وعشرين تألفوا في أربعين ألف راجل