حلب غازيًا في أعمال تل باشر، فافتتح حصونًا كثيرة، وقلعة أفامية، وحصن البارة، وقلعة الراوندان، وقلعة تل خالد، وحصن كفرلاثا، وحصن بسرفوت بجبل بني عليم، وقلعة عزاز، وتل باشر، ودلوك، ومرعش، وقلعة عين تاب، ونهر الجوز. وغزا حصن إنب، فقصده الإبرنس صاحب أنطاكية، فواقعه، فكسره نور الدين وقتله، وقتل ثلاثة آلاف إفرنجي، وبقي له ولد صغير مع أمه بأنطاكية، فتزوجت بإبرنس آخر، فخرج نور الدين في بعض غزواته فأسر الإبرنس الآخر، وتملك أنطاكية ابنه، وباعه نور الدين نفسه بمال عظيم.
قال: وأظهر السنة بحلب، وغير البدعة التي كانت لهم في التأذين، وقمع الرافضة، وبنى بها المدارس، وأقام العدل. وحاصر دمشق مرتين، ثم قصدها الثالثة. وقد كان صالح معين الدين أنر نائب صاحبها، وصاهره، واجتمعت كلمتهما على العدو، فسلم أهل دمشق إليه البلد لغلاء الأسعار، وللخوف من العدو، فتملكها وسكنها، وحصن سورها، وبنى بها المدارس والمساجد، ووسع أسواقها، ورفع عن الناس الأثقال، ومنع من أخذ ما كان يؤخذ منهم من المغارم بدار بطيخ وسوق الغنم. وضمان النهر والكيالة، وأبطل الخمر. وأخذ من الفرنج ثغر بانياس، والمنيطرة. وكان ي الحرب رابط الجأش، ثابت القدم، حسن الرمي. وكان يتعرض بنفسه للشهادة، فلقد حكى عنه كاتبه أبو اليسر شاكر بن عبد الله أنه سمعه يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير، فالله يقي مهجته من الأسواء. فلقد أحسن إلى العلماء وأكرمهم، وبنى دور العدل، وحضرها بنفسه أكثر الأوقات، ووقف على المرضى، وأدر على الضعفاء والأيتام وعلى المجاورين، وأمر بإكمال سور مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، واستخراج العين التي بأحد، وكانت قد دفنتها السيول. وفتح سبيل الحج من الشام، وعمر الربط والخوانق، والبيمارستانات في بلاده، وبنى الجسور والطرق والخانات، ونصب مؤدبين للأيتام. وكذلك صنع لما ملك سنجار، وحران، والرقة، والرها، ومنبج، وشيزر، وحماة، وحمص، وصرخد، وبعلبك، وتدمر. ووقف كتبًا كثيرة على أهل العلم، وكسر الفرنج والأرمن على حارم هو وأخوه قطب الدين في عسكر الموصل، وكان العدو ثلاثين ألفا، فلم يفلت منهم إلا القليل. وقبلها كسر الفرنج على بانياس.