ضعف الخلافة بالعراق، وظهور الشيعة بالقيروان، وهم بنو عبيد الباطنية، تسمى بأمير المؤمنين.
توفي في أوائل رمضان، وكانت حشمته وأبهته أعظم بكثيرٍ من خلفاء زمانه الذين بالعراق. وكان الوزير أبو مروان أحمد بن عبد الملك بن شهيد الأشجعي الأندلسي مع جلالته وزيره.
ولقد نقل بعد المؤرخين - أظنه أبا مروان بن حيان - أن ابن شهيد قدم مرةً للخليفة الناصر تقدمة تتجاوز الوصف، وهي هذه: من المال خمس مائة ألف دينار، ومن التبر أربع مائة رطل برطلهم، ومن سبائك الفضة مائتا بدرة، ومن العود الهندي اثنا عشر رطلًا، ومن العود الصنفي مائة وثمانون رطلًا، ومن العود الأشباه مائة رطل، ومن المسك مائة أوقية واثنتا عشر أوقية، ومن العنبر الأشهب خمس مائة أوقية، ومن الكافور ثلاث مائة أوقية، ومن الثياب ثلاثون شقة، ومن الفراء عشرة من جلود الفنك، وستة سرادقات عراقية، وثمانية وأربعون ملحفةً بغدادية لزينة الخيل من الحرير المرقوم بالذهب، وثلاثون شقة لسروج الهيئات، وعشرة قناطير سمور، وأربعة آلاف رطل حرير مغزول، وألف رطل حرير بلا غزل، وثلاثون بساطًا، البساط عشرون ذراعًا، وخمسة عشر نخًا من معمول الخزّ، وألف ترس سلطانية، وثمان مائة من تخافيف التزيين يوم العرض، ومائة ألف سهم، وخمسة عشر فرسًا فائقة، وعشرون بغلًا مسرجة بمراكب الخلافة. ومن الخيل العتاق مائة رأس، ومن الغلمان أربعون وصيفًا وعشرون جارية. ومن التقدمة كتاب ضيعتين من خيار ملكه، ومن الخشب عشرون ألف عود تساوي خمسين ألف دينار. فولاه الوزارة، ولقبه ذا الوزارتين.
وابتدأ الناصر في إنشاء مدينة الزهراء في سنة خمسٍ وعشرين وثلاث مائة، فأنفق عليها من الأموال ما لا يحصى، وأصعد الماء إلى ذروتها، ومات ولم يتمها، فأتمها ابنه المستنصر. وجامعها من أحسن المساجد له منارة عظيمة لا نظير لها، ومنبره من أعظم المنابر، لم يعمل مثله في الآفاق. وعدة أبواب قصر الزهراء المصفحة بالنحاس والحديد المنقوش، على ما نقل ابن حيان، خمسة عشر ألف باب، والعهدة عليه.