وفي صفر منها، تحول أبو جعفر المنصور، فنزل ببغداد قبل استتمام بنائها. وكان خالد بن برمك ممن أشار عليه بإنشائها، ونقل إليها خمسة أبواب كانت على واسط، عظيمة، فعمل لبغداد أربعة أبواب، كل باب داخله باب آخر. وبنيت مستديرة، وأنشئت دار الإمارة في وسطها، وعملوا لها سورين.
وقيل: إن الحجاج بن أرطاة هو الذي اختط جامعها، فقيل: إن قبلتها منحرفة، وكان لا يدخل أحد المدينة راكباً، فشكا إلى المنصور عمه عيسى بن علي أن المشي يشق عليه، فلم يأذن له.
ثم بعد مدة أمر المنصور بإخراج الأسواق من المدينة خوفاً من مبيت صاحب خبر بها، فبنيت الكرخ وباب المحول، وغير ذلك. وظهر شح المنصور في بناء بغداد، وبالغ في المحاسبة، حتى قال خالد بن الصلت وكان على بناء ربع من بغداد رفعت إليه الحساب فبقيت علي خمسة عشر درهماً فحبسني حتى أديتها.
فقال المدائني: حدثني الفضل بن الربيع أن المنصور لما فرغ من بناء قصره بالمدينة، طاف به، فأعجبه، لكنه استكثر النفقة، فقال لي: أحضر بناءً فارهاً، فأحضرت بناءً فقال: كيف عملت لنا في هذا القصر؟ وكم أخذت لكل ألف آجرة؟ فبقي البناء لا يقدر أن يرد عليه مخافة المسيب الذي كان على العمل، فقال: ما لك ساكت؟ قال: لا علم لي، قال: ويحك قل وأنت آمن، قال: والله لا أقف عليه ولا أدريه، فأخذ بيده وقال: تعال لا علمك الله خيراً، وأدخله الحجرة التي استحسنها، وقال: ابن لي طاقاً يكون شبيهاً بالبيت لا تدخل فيه خشباً، قال: نعم، فأقبل على البناء، ثم أقبل يحصي جميع ما يدخل في الطاق من الآجر والحصى، ففرغ في يومين، ودعا المسيب فقال: ادفع إليه أجره على حساب ما عمل معك، فأعطاه خمسة دراهم، فاستكثر ذلك المنصور، فقال: لا أرضى بذلك، فلم يزل حتى نقصه درهماً، ثم إنه أخذ الوكلاء والمسيب بحساب ما أنفقوا على