قبل هذا، أعجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما اعتذر إليه المخلفون، قد كان كافيك لذنبك استغفار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لك. فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي. ثم قلت: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت. وقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت: من هما؟ فقالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي. فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي.
ونهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه. واجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيتهما. وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد. وآتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم عليه فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني. حتى إذا طال علي ذلك من جفوة المسلمين تسورت جدار حائط أبي قتادة؛ وهو ابن عمي وأحب الناس إلي؛ فسلمت عليه، فوالله ما رد. فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، فعدت له فسكت، فناشدته الثالثة فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي. وتوليت حتى تسورت الجدار.
قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي. حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان؛ وكنت كاتبا؛ فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك. ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. وهذا أيضا من البلاء. فتيممت به التنور فسجرته به. حتى إذا مضى لنا أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل بها؟ فقال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها. وأرسل إلى