ومَعاذ الله أن يفتح علينا البلاد ثم يغلقها، وأن يسلم على يدينا القدس، ثم ينصره، ثم معاذ اللَّه أن نغلب عن النصر، ثم معاذ اللَّه أن نغلب على الصبر. وإذا كان ما يُقدمنا اللَّه إليه لا بدَّ منه وهو لقاؤه، فلأن نلقاه والحجة لنا خير من أن نلقاه والحجة علينا. ولا تعظم هذه الفتوق على مولانا فتبهر صبره، وتملأ صدره، {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} وهذا دين ما غُلب بكثرة وإنما اختار اللَّه له أرباب نيات، وذوي قلوب وحالات، فليكن المولى نِعم الخلف لذلك السلَف، واشتدي أزمة تنفرجي، والغمرات تذهب ثم لا تجيء، واللَّه يُسمعنا ما يسر القلب، ويصرف عن الإسلام غاشية هذا الكرب. ونستغفر اللَّه فإنه ما ابتلى إلاّ بذنب.
ومن كتاب آخر يقول: ولست بملكٍ هازم لنظيره، ولكنّك الإسلام للشِّرك هازم. يشير رحمه اللَّه إلى أنه وحده بعسكره في مقابلة جميع دين النصرانية، لأن نفيرهم إلى عكا لم يكن بعده بعد، ولا وراءه حدّ.
ثم قال: هذا وليس لك من المسلمين مساعد إلا بدعوة، ولا خارج بين يديك إلا بأجرة، نشتري منهم الخطوات شبرًا بذراع، تدعوهم إلى الفريضة، وكأنك تكلفهم النافلة، وتعرض عليهم الجنة، وكأنك تريد أن تستأثر بها دونهم، والآراء تختلف بحضرتك، فقائل يقول: لم لا يتباعد عن المنزلة؟ وآخر: لم لا يميل إلى المصالحة؟ ومشير بالتخلي عن عكا، حتى كأن تركها تعليق المعاملة، ولا كأنها طليعة الجيش، ولا قفل الدار، ولا خرزة السِّلك إن وهت تداعى السِّلك. فألهمك اللَّه قتل الكافر، وخلاف المخذل، فكما لم يُحدث استمرارُ النعم لك بطرًا، فلا تُحدث له ساعات الامتحان ضجرًا، وما أحسن قول حاتم:
شربنا بكأس الفقر يومًا وبالغنى وما منهما إلا سقانا به الدهرُ فما زادنا بغيًا على ذي قرابةٍ غِنانا ولا أزرى بأحسابِنا الفقر وقال الآخر:
لا بطر إن تتابعت نِعَمٌ وصابر في البلاء محتسب وقيل للمهلَّب: أيسرك ظفرٌ ليس فيه تعب؟ فقال: أكره عادة العجز، ونحن في ضر قد مسَّنا، ولا نرجو لكشفه إلاّ من ابتلى. وفي طوفان فتنة،