وأنّهم من القحط قد أكلوا الميتة والكلاب، وأنّه يخرج كل يوم من طرسوس ثلاثمائة جنازة، فبدا له في الإجابة، ثم أحضر رسولهم وقال: مثلكم مثل الحيّة في الشتاء إذا لحقها البرد ضعفت وذبلت حتى يظنّ الظانّ أنّها ميّتة، فإذا أخذها إنسان وأحسن إليها ودفّاها انتعشت ولدغته قتلته، وأنا إن أترككم حتى تستقيم أحوالكم تأذّيت بكم، ثم أحرق الكتاب على رأس الرسول فاحترقت لحيته، وقال: قم، ما لهم عندي إلاّ السيف. ثم سار بنفسه إلى المصّيصة ففتحها بالسيف في رجب، وقتل وسبى وأسر ما لا يحصى، ثم سار إلى طرسوس فحاصرها، فطلب أهلها أماناً، فأعطاهم، ففتحوا له، فدخلها، ولقي أهلها بالجميل، وأمرهم بالخروج منها وأن يحمل كل واحد من ماله وسلاحه ما أطاق، ففعلوا، وبعث من يخفرهم إلى أنطاكية، وجعل الجامع إصطبلاً لدوابّه، وعمل فيها وفي المصّيصة جيشاً يحفظونهما وأمر بتحصينهما. وقيل: رجع جماعة من أهل المصّيصة إليها وتنصّروا.
وكان السبب في فتح المصّيصة أنّهم هدموا سورها بالنقوب، فأشار عليهم رجل بحيث أن يخرجوا الأسارى ليعطف عليهم الملك تقفور، فأخرجوهم، فعرّفه الأسارى بعدم الأقوات، وأطمعوه في فتحها، فزحف عليها. ولقد قاتل أهلها في الشوارع حتى أبادوا من الروم أربعة آلاف، ثم غلبوهم بالكثرة وقتلوهم وأخذوا من أعيانهم مائة ضربوا رقابهم بإزاء طرسوس، فأخرج أهل طرسوس من عندهم من الأسرى فضربوا أعناقهم على باب البلد، وكانوا ثلاثة آلاف.
وفيها حجّ الركب من بغداد.
وفيها توفي شاعر زمانه أبو الطيّب أحمد بن الحسين الجعفي المتنبّي عن نيّف وخمسين سنة، قتل بين شيراز وبغداد وأخذ ما معه من الذهب.
وفيها اشتدّ الحصار كما ذكرنا على مدينة طرسوس، وتكاثرت عليهم جموع الروم، وضعفت عزائمهم بأخذ المصّيصة وبما هم عليه من القلّة والغلاء، وعجز سيف الدولة عن نجدتهم، وانقطعت الموادّ عنهم. وطال الحصار وخذلوا، فراسلوا تقفور ملك الروم في أن يسلّموا إليه البلد بالأمان على أنفسهم وأموالهم، واستوثقوا منه بأيمان وشرائط.