ولي الشيخ قضاء القضاة في جمادى الأولى سنة أربعٍ وستين على كرهٍ منه، سمعت عماد الدين يحيى بن أحمد الحسني الشريف يقول: الشيخ عندي في الرتبة على قدم أبي بكر والشيخ زين الدين الزواوي على قدم عمر، فما رأت عيني مثلهما.
وقال أيضاً: كان الشيخ والله رحمةً على المسلمين، ولولاه راحت أملاك الناس لما تعرَّض إليها السلطان ركن الدين، فقام فيها مقام المؤمنين الصديقين، وأثبتها لهم، وبذل مجهوده معهم، وعاداه جماعة الحكام، وعملوا في حقه المجهود، وتحدثوا فيه بما لا يليق، ونصره الله عليهم بحسن نيته، يكفيه هذا عند الله.
سمعت الإمام عماد الدين محمد بن عباس بن أحمد الرَّبعي بالبيمارستان النُّوري يقول: رحمة الله على الشيخ شمس الدين، كان كبير القدر، جعله الله رحمةً على المسلمين، ولولاه كانت أملاك الناس أُخِذت منهم.
ثم ساق ابن الخباز ثناء جماعةٍ كثيرة من الفضلاء على الشيخ، وساق فصلاً طويلاً في نحو من مائتي ورقة، فيه منامات مرئية من عدد كثير للشيخ، كلها تدل على حسن حاله، وأنه من أهل الجنة.
وقد أثنى عليه الشيخ قطب الدين، وقال: ولي القضاء مكرهاً وباشر مدة، ثم عزل نفسه، وتوفر على العبادة، والتدريس والتصنيف، وكان أوحد زمانه في تعدُّد الفضائل، والتفرد بالمحامد، وحج غير مرة، ولم يكن له نظير في خُلُقه وما هو عليه، وكان على قدم السلف الصالح في معظم أحواله، ورثاه غير واحد.
قلت: رثاه قريب ثلاثين شاعراً، وكانت جنازته مشهودة، لم يسمع بمثلها من دهرٍ طويل، حضرها أممٌ لا يحصون، وكان مقتصداً في ملبسه وله عمامة صغيرة بعذَبةٍ بين يديه، وثوب مقصور، وعلى وجهه نور وجلالة، وكان ينزل البلد على بهيمةٍ، ويحكم بالجامع.
ولا يسع هذا الكتاب منتخب ما أورده ابن الخباز، وربما اختصر ذلك {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} وقد أجاز لي مروياته، ولله الحمد، وتمرض أياماً، ثم انتقل إلى الله تعالى ليلة الثلاثاء سلخ ربيع الآخر،