فأهداه للحاكم المصري، وقيل: بل جاء الأمر بطلبه منه في سنة ثلاث وأربع مائة، فجعل في الحجرة، فقهر من بها من المماليك، وطال عليهم بالذكاء والنهضة، فضربه متوليهم، ثم لزم الخدمة وجعل يتودد إلى القواد، فارتضاه الحاكم وأعجب به، وأمره وبعثه إلى دمشق في سنة ست وأربع مائة فتلقاه مولاه دزبر، فتأدب مع مولاه وترجل له، ثم أعيد إلى مصر وجرد إلى الريف، ثم عاد وولي بعلبك، وحسنت سيرته، وانتشر ذكره، ثم طلب، فلما بلغ العريش رد إلى ولاية قيسارية، واتفق قتل فاتك متولي حلب سنة اثنتي عشرة، قتله مملوك له هندي، وولي أمير الجيوش فلسطين في أول سنة أربع عشرة، فبلغ حسّان بن مفرج ملك العرب خبره، فقلق وخاف.
ولم يزل أمر أمير الجيوش في ارتفاع واشتهار، وتمت له وقائع مع العرب فدوخهم وأثخن فيهم، فعمل عليه حسان، وكاتب فيه وزير مصر حسن بن صالح، فقبض عليه بعسقلان بحيلة دبرت له في سنة سبع عشرة، وسأل فيه سعيد السعداء، فأجيب سؤاله إكراما له وأطلق ثم حسنت حاله، وارتفع شأنه، وكثرت غلمانه وخيله وإقطاعاته.
وبعد غيبته عن الشام أفسدت العرب فيها، ثم صرف الوزير ووزر نجيب الدولة عليّ بن أحمد الجرجرائي، فاقتضى رأيه تجريد عساكر مصر إلى الشام، فقدم نوشتكين عليهم، ولقبه بالأمير المظفر منتجب الدولة، وجهز معه سبعة آلاف فارس وراجل، فسار وقصد صالح بن مرداس وحسان بن مفرج، فكان الملتقى في القحوانة فانهزمت العرب، وقتل صالح، فبعث برأسه إلى الحضرة، فنفذت الخلع إلى نوشتكين، وزادوا في ألقابه، ثم توجه إلى حلب ونازلها، ثم عاد إلى دمشق، ونزل في القصر وأقام مدة، ثم سار إلى حلب، ففتحت له، فأحسن إلى أهلها ورد المظالم وعدل.
ثم تغير وشرب الخمر، فجاء فيه سجل مصريّ، فيه: أما بعد، فقد عرف الحاضر والبادي حال نوشتكين الدزبري الخائن، ولما تغيرت نيته سلبه الله نعمته، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، فضاق صدره وقلق، ثم جاءه كتاب فيه توبيخ وتهديد، فعظم عليه، ورأى من الصواب إعادة