للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد سنة سبع عشرة وستمائة بنصيبين، قرأ على والده ودخل الديار المصرية، فقرأ بمصر على السديد عيسى بن أبي الحرم مكي صاحب الشاطبي، وبالإسكندرية على الشيخ جمال الدين أبي عمرو ابن الحاجب، وسمع منه مقدمته وغير ذلك. وسمع ببعلبك من الشيخ الفقيه وصحبه، واستوطن بعلبك وصار شيخها في التصوف والقراءات. وأم بمسجد كبير له بابان بسوق التجار ببعلبك. وكان يجلس في بعض الأيام ويروي للعامة أحاديث من حفظه.

وقل من رأيت بفصاحته على كثرة من رأيت من القراء، ومنه تعلمت التجويد، وقرأت عليه ختمة للسبعة في أحد وخمسين يومًا ببعلبك في سنة ثلاث وتسعين.

وكان إمامًا فاضلاً، عارفًا بالقراءات معرفة جيدة، وله مشاركة في الفقه والنحو والأدب. وكان شيخ الإقراء بالجامع، وشيخ الصوفية بالخانكاه. وله حرمة وصورة وقرأ عليه القراءات جماعة من أهل بعلبك، ورحل إليه العلم طلحة رفيقنا وقرأ عليه، وهو اليوم شيخ القراءات والعربية بحلب. أنشدني شيخنا موفق الدين لنفسه:

قرأت القرآن وأقرأته … ومازلت مُغْرى به مُغْرمًا

وطفْتُ البلاد على جَمْعِه … فصِرتُ به فِي الورى مُكْرَما

وألفيتُ إلفي بطلابه … فيا نعم ما زادَني أَنْعُما

ويا فَوز مَن لم يزلْ دأبه … وما أجزل الأجر ما أعظما

فلله الحمد مهما أعش … وفي الموت أسأل أن يرحما

وأُصفي الصَّلاة نبيّ الهُدَى … ومَن فَوقَ كلّ سماء سما

وأُفشي السّلامَ على آلِه … وأصحابه والرّضى عَنْهُمَا

توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجة ببعلبك (١).

٣٦٤ - محمد بن يعقوب بن أبي طالب، الكتاني، الصالحي.

فقير مبارك، رأيته وكلمناه في السماع منه فقال: روحوا إلى الشيخ ناصر الملقن اقرأوا. فضحكنا منه. وكان فيه وله وسلامة باطن، روى جزءًا من


(١) ينظر تاريخ ابن الجزري ٢/ الورقة ٤٧ (باريس).