وبنى مدرسةً على باب الجامع المظفري، وأعانه عليها بعض أهل الخير، وجعلها دار حديث، وأن يسمع فيها جماعة من الصبيان، ووقف بها كتبه وأجزاءه. وفيها من وقف الشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمن، والحافظ عبد الغني، وابن الحاجب، وابن سلام، وابن هامل، والشيخ علي الموصلي. وقد نهبت في نكبة الصالحية، نوبة غازان، وراح منها شيء كثير. ثم تماثلت وتراجع حالها. وفيها - بحمد الله - الآن جملة نافعة للطلبة.
وكان - رحمه الله - ملازماً لجبل الصالحية، قل أن يدخل البلد أو يحدث به. ولا أعلم أحداً سمع منه بالمدينة، وإن كان فنزر يسير.
أخذ عنه: جماعة من شيوخه، وروى عنه: الحافظ أبو عبد الله البرزالي، والحافظ أبو عبد الله ابن النجار، وجماعة. ومن شيوخنا: أبو العباس ابن الظاهري، وأبو الفداء إسماعيل ابن الفراء، والتقي أحمد بن مؤمن، والشمس محمد بن حازم، والشيخ علي بن بقاء، والنجم موسى الشقراوي، والنجم إسماعيل ابن الخباز، وداود بن حمزة، ومحمد بن علي ابن الموازيني، وعثمان الحمصي، والشهاب أحمد الدشتي، وأبو علي ابن الخلال، وعيسى المطعم، وأبو بكر بن عبد الدائم، ومحمد ابن خطيب بيت الآبار، وزينب بنت عبد الله ابن الرضي، والقاضي المجد سالم بن أبي الهيجاء، ومحمد بن يوسف الذهبي، ومسند الشام القاضي تقي الدين سليمان فأكثر عنه، فإني سمعته يقول: سمعت من شيخنا الضياء ألف جزء.
وقرأت بخط المحدث محمد بن الحسن بن سلام قال: محمد بن عبد الواحد شيخنا، ما رأينا مثله في ما اجتمع له. كان مقدماً في علم الحديث، فكأن هذا العلم قد انتهى إليه وسلم له. ونظر في الفقه وناظر فيه. وجمع بين فقه الحديث ومعانيه. وشدا طرفاً من الأدب، وكثيراً من اللغة والتفسير. وكان يحفظ القرآن واشتغل مدة به، وقرأ بالروايات على مشايخ عديدة، وكان يتلوه تلاوةً عذبة. وجمع كل هذا مع الورع التام، والتقشف الزائد، والتعفف والقناعة، والمروءة، والعبادة الكثيرة، وظلف النفس وتجنبها أحوال الدنيا ورعوناتها، والرفق بالغرباء والطلاب، والانقطاع عن الناس، وطول الروح