وقال أبو يعلى ابن القلانسي: وأما أنطاكية فقتل بها وسبي من الرجال والنساء والأطفال ما لا يدركه حصر، وهرب إلى القلعة تقدير ثلاثة آلاف تحصنوا بها.
قال أبو يعلى: وبعد ذلك أخذوا المعرة في ذي الحجة.
قال ابن الأثير: ولما سمع قوام الدولة كربوقا صاحب الموصل بذلك، جمع الجيوش وسار إلى الشام، ونزل بمرج دابق، فاجتمعت معه عساكر الشام، تركها وعربها، سوى جند حلب، فاجتمع معه دقاق وطغتكين أتابك، وجناح الدولة صاحب حمص، وأرسلان صاحب سنجار، وسقمان بن أرتق وغيرهم، فعظمت المصيبة على الفرنج، وكانوا في وهن وقحط، وسارت الجيوش فنازلتهم، ولكن أساء كربوقا السيرة في المسلمين، وأغضب الأمراء وتحامق، فأضمروا له الشر، وأقامت الفرنج في أنطاكية بعد أن ملكوها ثلاثة عشر يوماً، ليس لهم ما يأكلونه، وأكل ضعفاؤهم الميتة وورق الشجر، فبذلوا البلد بشرط الأمان، فلم يعطهم كربوقا.
وكان بردويل، وصنجيل، وكندفري، والقمص صاحب الرها، وبيمنت صاحب أنطاكية، ومعهم راهب يرجعون إليه، فقال: إن المسيح كانت له حربة مدفونة بأنطاكية، فإن وجدتموها نصرتم، ودفن حربة في مكان عفاه، وأمرهم بالصوم والتوبة ثلاثة أيام، ثم أدخلهم إلى مكان، وأمر بحفره، فإذا بالحربة، فبشرهم بالظفر وخرجوا للقاء، وعملوا مصافاً، فولى بعض العساكر حرب كربوقا، لما في قلبهم منه، وما كان ذا وقت ذا، فاشتغل بعضهم ببعض، ومالت عليهم الفرنج، فهزمتهم، وهربوا من غير أن يقاتلوا، فظنت الفرنج أنها مكيدة، إذ لم يجر قتال يوجب الهزيمة، وثبت جماعة من المجاهدين، وقاتلوا خشية، فحطمتهم الفرنج، واستشهد يومئذ ألوف، وغنمت الفرنج من المسلمين معظم ثقلهم ورختهم.
ثم ساروا إلى المعرة، فحاصروها أياماً، ثم داخل المسلمين فشل وهلع، وظنوا أنهم إذا تحصنوا بالدور الكبار امتنعوا بها، فنزلوا من السور إلى