ويُحْكَى أنه كان دميماً قبيح المَنْظر، فأتاه غريب يزوره ويأخذ عنه، فلما رآه استزرى شكله، ففهم الحريري ذلك منه، فلما التمس أن يملي عليه، قال اكتب:
ما أنت أوَّل سارٍ غرَّهُ قمَرُ ورائد أعجبته خضرة الدّمن فاختر لنفسك غيري إنني رجل مثل المُعَيْدي فاسمع بي ولا ترني وكان الحريري من الأغنياء بالبصرة، يقال: كان له ثمانية عشر ألف نخلة، وقيل: كان قذراً في نفسه وشكله ولُبْسه، قصيراً دميماً، بخيلاً، مولعاً بنتف لحيته، فنهاه الأمير وتوعَّده على ذلك، وكان كثير المجالسة له، فبقي كالمُقيَّد لا يتجاسر أن يعبث بلحيته، فتكلَّم في بعض الأيام بكلام أعجب الأمير، فقال له: سلني ما شئت حتى أعطيك، فقال: أقطعني لحيتي، قال: قد فعلتُ!
وقال القاضي جابر بن هبة الله: قرأتُ المقامات على الحريري في سنة أربع عشرة، وكنت أظنُّ أنَّ قوله:
يا هل ذا المعنى وُقيتُم شرّا ولا لقيتُم ما بقيتُم ضرّا قد دفع اللَّيل الذي اكفهرّا إلى ذُراكم شعثًا مُعْبَرّا فقرأت سغبًا معترّا ففكر ثم قال: والله لقد أجدت في التصحيف وإنه لأجود فرُبَّ شعث مُغْبَر غير محتاج، والسغب المعتر موضع الحاجة، ولولا أني قد كتبت خطِّي إلى هذا اليوم على سبعمائة نسخة قُرئتْ عليّ لغيَّرته كما قلت.
ومن لُغَز الحريري وأجاد: ميم موسى من نون نصر ففتش أيّهاذا الأديب ماذا عنيتُ ميم: أي أصابه الموم، وهو البرسام، ويقال: هو أثر الجدري. والنون: السَّمكة، يعني: أكل سمكة نصر فأصابه الموم.
وله:
باء بكر بلام ليلى فما ينفـ ـك منها إلا بعين وهاء البَكْر: الجَمَل، وباء: أقر، واللاَّمُ: الزرع، فلازمته ليلى فما ينفك منها