المولد أنزل الخلع من القلعة على أيدي الصّوفية في البقج، فينزل شيءٌ كثير، ويجتمع الرؤساء والأعيان وغيرهم، ويتكلّم الوعاظ، وقد نصب له برج خشب له شبابيك إلى النّاس وإلى الميدان وهو ميدان عظيم يعرض الجند فيه يومئذٍ ينظر إليهم تارةً وإلى الوعّاظ تارةً، فإذا فرغ العرض، مدّ السّماط في الميدان للصّعاليك وفيه من الطّعام شيء لا يحدٌ ولا يوصف، ويمدّ سماطًا ثانيًا في الخانقاه للناس المجتمعين عند الكرسي، ولا يزالون في الأكل ولبس الخلع وغير ذلك إلى العصر، ثمّ يبيت تلك الليلة هناك، فيعمل السّماعات إلى بكرة.
وقد جمع له أبو الخطّاب بن دحية أخبار المولد، فأعطاه ألف دينار.
وكان كريم الأخلاق، كثير التّواضع، مائلًا إلى أهل السّنّة والجماعة، لا ينفق عنده سوى الفقهاء والمحدّثين، وكان قليل الإقبال على الشّعر وأهله. ولم ينقل أنّه انكسر في مصافّ.
ثمّ قال: وقد طوّلت ترجمته لما له علينا من الحقوق التي لا نقدر على القيام بشكره، ولم أذكر عنه شيئًا على سبيل المبالغة، بل كلّ ذلك مشاهدة وعيان. ولد بقلعة إربل في المحرّم سنة تسعٍ وأربعين وخمسمائة.
وقال ابن السّاعي: طالت على مظفّر الدّين مراعاة أولاد العادل ولم يجد منهم إعانةً على نوائبه كما كان هو لهم في حروبهم. فأخذ مفاتيح إربل وقلاعها وسار إلى بغداد وسلّم ذلك إلى المستنصر بالله في أول سنة ثمانٍ وعشرين فاحتفلوا له، وجلس له الخليفة، ورفع له السّتر عن الشّبّاك فقبّل الكلّ الأرض ثمّ طلع إلى كرسيّ نصب له وسلّم وقرأ:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية. فردّ عليه المستنصر السلام، فقبّل الأرض مرارًا. فقال المستنصر:{إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} وقال ما معناه: ثبت عندنا إخلاصك في العبودية. ثمّ أسبلت السّتارة، ثمّ خلعوا على مظفّر الدّين وقلّد سيفين، ورفع وراءه سنجقان مذهّبة. ثم اجتمع بالخليفة يومًا آخر،