يزال يجني بعضهم على بعض، ويكثر الجراح والقتل، فأذكر عشية أن القوم هزمونا حتى أدخلونا البيوت، فقيل لهم: هذا علي أقبل. فانهزموا حتى مات تحت أرجل الناس ثلاثة رجال، ثم أصلح بين الناس.
توفي علي بن زيدان سنة ست وعشرين وخمسمائة، وتبعه خالي محمد بن المثيب سنة ثمان، فكان أبي يتمثل بعدهما بقول الشاعر:
ومن الشقاء تفردي بالسؤدد وتماسكت أحوال الناس بوالدي سنة تسع وعشرين، وفيها أدركت الحلم، ثم منعنا الغيث لسنة وبعض أخرى، حتى هلك الحرث، ومات الناس في بيوتهم، فلم يجدوا من يدفنهم.
وفي سنة إحدى وثلاثين دفعت لي والدتي مصوغًا لها بألف مثقال، ودفع لي أبي أربعمائة دينار وسبعين، وقالا لي: تمضي إلى زبيد إلى الوزير مسلم بن سخت، وتنفق هذا المال عليك وتنفقه، ولا ترجع حتى تفلح، وزبيد عنا تسعة أيام.
فأنزلني الوزير في داره مع أولاده، ولازمت الطلب، فأقمت أربع سنين لا أخرج من المدرسة إلا لصلاة الجمعة. ثم زرت أبوي في السنة الخامسة ورددت ذلك المصاغ، ولم أحتج إليه. وتفقهت، وقرأ علي جماعة في مذهب الشافعي والفرائض، ولي فيها مصنف يقرأ باليمن.
وقد زارني والدي بزبيد سنة تسع وثلاثين، فأنشدته من شعري، فاستحسنه واستحلفني أن لا أهجو مسلمًا. فحلفت له، ولطف الله بي، فلم أهج أحدًا، سوى إنسان هجاني ببيتين بحضرة الملك الصالح، يعني ابن رزيك، فأقسم علي أن أجيبه.
وحججت مع الحرة أم فاتك ملك زبيد، وربما حج معها أهل اليمن في أربعة آلاف بعير. ويسافر الرجل منهم بحريمه وأولاده.
إلى أن قال: فأذكر ليلة، وقد سئمت ركوب المحمل، أني ركبت نجيبًا، وحين تهور الليل آنست حسًا، فوجدت هودجًا مفردًا، والبعير يرتعي، فناديت مرارًا: يا أهل الجمل. فلم يكلمني أحد، فدنوت فإذا امرأتان نائمتان في الهودج، أرجلهما خارجة ولكل واحد زوج خلخال من الذهب. فسلبت الزوجين من أرجلهما وهما لا تعقلان، وأخذت بخطام الجمل حتى أبركته في