وفي أول السنة أخرب المعظم أسوار القدس خوفاً من استيلاء الفرنج عليه، وقد كان يومئذ على أتم العمارة وأحسن الأحوال وكثرة السكان.
قال أبو المظفر: كان المعظم قد توجه إلى أخيه الكامل إلى دمياط والكشف عنها، وبلغه أن طائفة من الفرنج على عزم القدس، فاتفق هو والأمراء على تخريبه، وقالوا: قد خلا الشام من العساكر، فلو أخذته الفرنج حكموا على الشام. وكان بالقدس أخوه الملك العزيز وعز الدين أيبك أستاذ دار، فكتب المعظم إليهما يأمرهما بخرابه، فتوقفا. وقال: نحن نحفظه، فأتاهما أمر مؤكد بخرابه، فشرعوا في الخراب في أول المحرم، ووقع في البلد ضجة، وخرج الرجال والنساء إلى الصخرة، فقطعوا شعورهم، ومزقوا ثيابهم، وخرجوا هاربين، وتركوا أثقالهم، وما شكوا أن الفرنج تصبحهم، وامتلأت بهم الطرقات، فبعضهم قصد مصر، وبعضهم إلى الكرك، وبعضهم إلى دمشق، وهلكت البنات من الحفاء، ومات خلقٌ من الجوع والعطش، ونهب ما في البلد، وبيع الشيء بعشر ثمنه، حتى أبيع قنطار الزيت بعشرة دراهم، ورطل النحاس بنصف درهم، وعلى هذا النمط، وذم الشعراء المعظم، وقالوا:
في رجب حلل المحرم وخرب القدس في المحرم وقال مجد الدين محمد بن عبد الله قاضي الطور:
مررتُ على القدس الشريف مسلماً على ما تبقى من ربوع كأنجم ففاضت دموعُ العين مني صبابةً على ما مضى في عصرنا المتقدم وقد رام علجٌ أن يعفي رسومه وشمر عن كفي لئيم مذمم فقلت له: شلت يمينك خلها لمعتبرٍ أو سائل أو مُسلم فلو كان يُفدى بالنفوس فديتهُ وهذا صحيح الظن في كلّ مسلم قال ابن الأثير: لما ملكت الفرنج بُرج السلسلة قطعوا السلاسل لتدخل مراكبهم في النيل ويتحكموا في البر، فنصب الملكُ الكامل عوض