كلوا، وأكلوا الميتة من الجوع، وسلم أهل جرجنت بلدهم، ولبثت قصريانه بعدهم ثلاث سنين في شدة من الحصار، ولا أحد يغيثهم، فسلموا بالأمان، وتملك روجار، جميع الجزيرة، وأسكنها الروم والفرنج مع أهلها.
وهلك رجار قبل التسعين وأربعمائة، وتملك بعده ابنه، فاتسعت ممالكه، وعمر البلاد، وبالغ في الإحسان إلى الرعية، وتطاول إلى أخذ سواحل إفريقيّة.
وفي رمضان وصل السّلطان إلى بغداد، وهي القدمة الثانية، وبادر إلى خدمته أخوه تاج الدّولة تتش صاحب دمشق، وقسيم الدّولة آقسنقر صاحب حلب، وغيرهما من أمراء النواحي، فعمل الميلاد ببغداد، وتأنقوا في عمله على عادة العجم، وانبهر الناس، ورأوا شيئاً لم يعهدوه من كثرة النيران، حتّى قال شاعرهم:
وكل نارٍ على العشاق مضرمةٌ من نار قلبي أو من ليلة الصدق نارٌ تجلت بها الظلماء فاشتبهت بسدفة الليل فيه غرةٌ الفلق وزارت الشمس فيه البدر واصطلحا على الكواكب بعد الغيظ والحنق مدت على الأرض بسطٌ من جواهرها ما بين مجتمع وارٍ ومفترق مثل المصابيح إلا أنها نزلت من السماء بلا رجمٍ ولا حرق أعجب بنارٍ ورضوانٌ يسعرها ومالك قائمٌ منها على فرق في مجلسٍ ضحكت روض الجنان له لما جلى ثغره عن واضحٍ يقق وللشموع عيونٌ كلما نظرت تظلمت من يديها أنجم الغسق من كل مرهفة الأعطاف كالغصن الـ ـمياد لكنه عارٍ من الورق إني لأعجب منها وهي وادعةٌ تبكي وعيشتها من ضربه العنق وفي آخرها أمر السّلطان بعمل جامعٍ كبير له ببغداد، وعمل الأمراء حوله دوراً لهم ينزلونها، ولم يدروا أن دولتهم قد ولت، وأيامهم قد تصرمت نسأل الله خاتمة صالحة.
وفيها كانت زلازل عظيمة مزعجة بالشام، وتخرب من سور أنطاكية تسعون برجاً، وهلك من أهلها عالمٌ كثير تحت الردم، فأمر السّلطان بعمارتها.