للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طبيعة التراجم وأسس انتقائها]

لقد اتضح لنا من دراستنا لكتاب "تاريخ الإسلام" أن الذهبي اتبع منهجًا واضحًا عند ذكر التراجم فيه مراعيًا أسسًا معينة أبرزها ما يأتي:

١ - الشُّهرة والعَلَمِيَّة:

ذكر المشهورين والأعلام (١)، ولم يذكر المغمورين والمجهولين، بعرف أهل الفن في كل عصر لا بعرفنا نحن، إذ لا ريب في أن هناك آلافًا من التراجم التي ذكرها لم يسمع بها كثير من المتخصصين في عصرنا. على أن الذهبي كان عارفًا بجميع مَنْ ذكرهم في تاريخه مطلعًا على سيرهم ورواياتهم وشيوخهم وأوقاتهم سوى حالات نادرة جدًّا ذكر فيها أشخاصًا عرفهم علماء سبقوه ولم يعرفهم هو فأشار إلى هذا الأمر نحو قوله في ترجمة أبي عبس خالد بن غسان السلمي: "ورّخه ابن منده. لا أعرفه" (٢). وهذا الذي ذكرته عن "الشهرة والعلمية" هو الذي يفسر عنوان الكتاب، فهو كتاب في "المشاهير والأعلام".

على أن مفهوم الشهرة يختلف عند مؤلف وآخر استنادًا إلى عمق ثقافته ونظرته إلى البراعة في علم من العلوم أو فن من الفنون أو عمل من الأعمال أو أي شيء آخر، لذلك وجدنا تباينًا كبيرًا بين عدد المشهورين المذكورين في السنة الواحدة عند كُتَّاب الحوليات، ففي الوقت الذي اقتصرت فيه كثير من الكتب على إيراد ٥ - ١٥ ترجمة في السنة الواحدة مثل "المنتظم" لابن الجوزي "ت ٥٩٧ هـ" و"مرآة الزمان" لسبطه "ت ٦٥٤ هـ" و "الذيل على مرآة الزمان" لقطب الدين اليونيني "ت ٧٢٦ هـ" و"البداية" لابن كثير "ت ٧٧٤ هـ" و"عقد الجمان" لبدر الدين العيني "ت ٨٥٥ هـ" أورد الذهبي ستين ترجمة في المعدل


(١) استعمل الذهبي لفظ "الأعلام" لأولئك المشهورين جدًّا، وفي الأغلب ترجم لهم تراجم حافلة وأشار بعد اسم المترجم ونسبه بأنه "أحد الأعلام" انظر كتابنا: الذهبي ومنهجه ٣٤٤.
(٢) ٧/ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>