على الملوك، فكانوا يحملونه ويحمونه بما كان يلقي إليهم من شُبه البدع والشرك. وفي حين عودي من الرحلة ألفيت حضرتي منهم طافحة، ونار ضلالهم لافحة، فقاسيتهم مع غير أقران، وفي عدم أنصار إلى حسادٍ يطؤون عقبي، تارة تذهب لهم نفسي، وأخرى ينكشر لهم ضرسي وأنا ما بين إعراض عنهم، أو تشغيب بهم، وقد جاءني رجل بجزء لابن حزم سماه نكت الإسلام، فيه دواهي، فجرّدت عليه نواهي، وجاءني آخر برسالة في الاعتقاد، فنقضتها برسالة الغُرّة. والأمر أفحش من أن يُنقض، يقولون: لا قول إلا ما قال الله ولا نتبع إلا رسول الله. فإن الله لم يأمر بالاقتداء بأحدٍ، ولا بالاهتداء بهدْي بشر فيجب أن يتحققوا أنهم ليس لهم دليل، وإنما هي سخافة في تهويل، فأوصيكم بوصيتين: أن لا تستدلوا عليهم، وأن تطالبوهم بالدليل؛ فإن المبتدع إذا استدللت عليه شغّب عليك، وإذا طالبته بالدليل لم يجد إليه سبيلا. فأما قولهم: لا قول إلا ما قال الله؛ فحق، ولكن أرني ما قال الله. وأما قولهم: لا حكم إلا لله فغير مسلّم على الإطلاق، بل من حكم الله أن يجعل الحكم لغيره فيما قاله وأخبر به، صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: وإذا حاصرْت أهل حصنٍ فلا تُنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري ما حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، وصح أنه قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء. الحديث.
وقال اليسع بن حزم الغافقي، وذكر أبا محمد بن حزم فقال: أما محفوظه فبحرٌ عجّاج، وماء ثجّاج، يخرج من بحره مرجان الحكم، وينبت بثجّاجه ألفاف النعم في رياض الهمم. لقد حفظ علوم المسلمين، وأربى على كل أهل دين، وألف الملل والنحل. وكان في صباه يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسرير. أنشد المعتمد، فأجاد، وقصد بَلَنسية، وبها