للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هذا النوع، إلى أن قال: فرحم الله عبدا اتعظ وفكر فيما حتم الله على جميع خلقه من الفناء، وقضى عليهم من الموت الذي لا بد منه، فالحمد لله الذي توحد بالبقاء، ثم لينظر المرء ما كنت فيه من عز الخلافة، هل أغنى عني شيئا إذا جاء أمر الله؟ لا والله. ولكن أضعف به علي الحساب، فيا ليت عبد الله بن هارون لم يك بشرا بل ليته لم يك شيئا. يا أبا إسحاق، ادن مني واتعظ بما ترى، وخذ بسيرة أخيك في القرآن، واعمل في الخلافة إذ طوقكها الله تعالى عمل المريد لله، الخائف من عقابه، ولا تغتر بالله وتمهيله، فكأن قد نزل بك الموت. ولا تغفل أمر الرعية الرعية الرعية، العوام العوام، فإن الملك بهم الله الله فيهم وفي غيرهم. يا أبا إسحاق، عليك عهد الله لتقومن بحق الله في عباده، ولتؤثرن طاعة الله على معصيته. قال: اللهم نعم، قال: فانظر من كنت تسمعني أقدمه فأضعف له التقدمة. وعبد الله بن طاهر أقره على عمله، فقد عرفت بلاءه وغناءه، وأبو عبد الله بن أبي دؤاد لا يفارقك، وأشركه في المشورة في كل أمرك، ولا تتخذن بعدي وزيرا، فقد علمت ما نكبني به يحيى بن أكثم في معاملة الناس، وخبث سريرته حتى أبعدته، هؤلاء بنو عمك من ذرية أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه، أحسن صحبتهم، وتجاوز عن مسيئهم، وأعطهم الصلات.

ثم توفي في رجب، ودفن بطرسوس.

وكان أول من بايع المعتصم: العباس بن المأمون.

قال محمد بن عبيد الله المسبحي في تاريخ مصر: كتب المعتصم إلى نائبه على مصر كندر، وإلى قاضي مصر هارون بن عبد الله الزهري كتابا بخط الفضل بن مروان يمتحن فيه الناس بخلق القرآن. فأحضرهم القاضي هارون، فأجاب عامة الشهود وأكثر الفقهاء، إلا من هرب منهم. وكان هارون إذا شهد عنده عدلان سألهما عن القرآن، فإن أقرا أنه مخلوق قبلهما، وأخذ بذلك المؤذنون والمحدثون. وأُمِرَ المعلمون أن يعلموا الصبيان كتعليم القرآن، يعني القول بخلق القرآن. وبقيت المحنة إلى أن ولي الخلافة المتوكل سنة اثنتين وثلاثين.

وفيها وقع الوباء العظيم بمصر، فمات أكثرهم، وغلا السعر هذه السنة

<<  <  ج: ص:  >  >>