مقاتلتكم في الأزقة مختفين، فإذا خرج الحرم والصبيان، ودخل أصحابي للنهب اغتالوهم. فقالوا: ليس في البلد من يقاتل. قال: فاحلفوا. فحلفوا له. وإنما أراد أن يعرف صورة البلد. فحينئذ تقدم بجيوشه إلى قبالة السور، ولجأ الناس إلى القلعة، ونصبت الروم السلالم على باب أربعين وعند باب اليهود، وصعدوا، فلم يروا مقاتلة، فنزلوا البلد ووضعوا السيف، وفتحوا الأبواب، وقضي الأمر، وعم القتل والسبي والحريق طول النهار ومن الغد، وبقي السيف يعمل فيها ستة أيام إلى يوم الأحد لثلاث بقين من ذي القعدة. فزحف الدمستق وابن الشمشقيق على القلعة، ودام القتال إلى الظهر، فقتل ابن الشمشقيق، من عظمائهم، ونحو مائة وخمسين من الروم. وانصرف الدمستق إلى مخيمه، ونودي: من كان معه أسير فليقتله، فقتلوا خلقا كثيرا. ثم عاد إلى القلعة، فإذا طلائع قد أقبلت نحو قنسرين، وكانت نجدة لهم، فتوهم الدمستق أنها نجدة لسيف الدولة، فترحل خائفا.
وفيها كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقها من فدك، ومن منع الحسن أن يدفن مع جدّه، ولعنة من نفى أبا ذر. ثم إنّ ذلك محي في الليل، فأراد معزّ الدولة إعادته، فأشار عليه الوزير المهلّبي أن يكتب مكان ما محي: لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرحوا بلعنة معاوية فقط.
وفيها أسرت الروم أبا فراس بن سعيد بن حمدان من منبج، وكان واليها.
وفيها وقع بالعراق بأرض الجامدة برد وزن البعض منه رطل ونصف بالعراقي.
وفيها توفي الوزير أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون المهلبي من بني المهلب بن أبي صفرة. أقام في وزارة معز الدولة ثلاث عشرة سنة. وكان فاضلاً شاعراً فصيحاً نبيلاً سمحاً جواداً حليماً ذا مروءة وأناة. عاش أربعاً وستّين سنة، وصادر معزّ الدولة أولاده من بعده، ثم استوزر أبا الفضل العبّاس بن الحسن الشيرازي.
وفيها توفّي المحدّث أبو محمد دعلج بن أحمد بن دعلج السجستاني المعدّل، نزيل بغداد، والشيخ أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقّاش