وتوفّي ببغشور في ذي القعدة، وكان من الفقهاء، عاش ثمانياً وثمانين سنة. وكنيته أبو سعيد.
٢٩١ - محمد بن المظفّر بن بكران بن عبد الصّمد، العلامة قاضي القضاة أبو بكر الشّامي الحموي الفقيه الشافعي.
ولد بحماة سنة أربع مائة، ورحل إلى بغداد شاباً، فسكنها وتفقّه بها. وسمع الحديث من عثمان بن دوست، وأبي القاسم بن بشران، وأبي طالب بن غيلان، وأبي محمد الخلال، وأبي الحسن العتيقي، وجماعة. روى عنه أبو القاسم ابن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وهبة الله بن طاوس المقرئ. وكان دخوله بغداد في سنة عشرين.
قال السمعاني: هو أحد المتقنين لمذهب الشافعي، وله اطّلاع على أسرار الفقه. وكان ورعاً زاهداً متّقياً. جرت أحكامه على السداد. ولي قضاء القضاة ببغداد بعد موت أبي عبد الله الدامغاني سنة ثمانٍ وسبعين، إلى أن تغّير عليه المقتدي بالله لأمرٍ، فمنع الشهود من حضور مجلسه مدّةً، فكان يقول: ما أنعزل ما لم يتحقّقوا علي الفسق. ثمّ إنّ الخليفة خلع عليه، واستقام أمره.
وسمعت الفقيه أحمد بن عبد الله ابن الآبنوسي يقول: جاء أمير إلى قاضي القضاة الشّامي، فادّعى شيئاً، فقال: بيّنتي فلان والمشطب الفرغاني الفقيه. فقال: لا أقبل شهادة المشطب، لأنه يلبس الحرير. فقال: السّلطان ملكشاه ووزيره نظام الملك يلبسانه. فقال: ولو شهدا عندي ما قبلت شهادتهما أيضا.
وقال ابن النّجّار: كان قد تفقّه على أبي الطّيّب الطّبري، وكان يحفظ تعليقته، وولي قضاء القضاة، وأبى أن يأخذ على القضاء رزقاً. ولم يغيّر مأكله ولا ملبسه، ولا استناب أحداً في القضاء. وكان يسوّي بين الشّريف والوضيع في الحكم، ويقيم جاه الشّرع. فكان هذا سبب انقلاب الأكابر عنه، فألصقوا به ما كان منه بريّاً من أحاديث ملفّقة، ومعاييب مزوّرة. وصنّف كتاب البيان عن أصول الدّين. وكان على طريقة السّلف، ورعاً نزهاً.
وأنبأنا أبو اليمن الكندي أنّ أحمد بن عبد الله ابن الآبنوسي أخبره،